(١٧٠٠ - ٤٥). وكان أكثر هذه المؤسسات تموله التبرعات الخاصة. وخير ما أسس منها في النصف الأول من القرن الثامن عشر مستشفى اللقاء الذي نظمه الكابتن توماس كورام، وقد صور هوجارث هذا الكابتن عام ١٧٤٠ صورة أهداها إلى المستشفى، رجلاً ممتلئ البدن، أبيض الشعر، لطيفاً، يمسك بيمناه المرسوم الملكي، وعند قدميه كرة أرضية، ذلك أن كورام جمع ثروته ضابطاً في البحرية التجارية. فلما تقاعد هاله ارتفاع نسبة وفيات الأطفال في لندن، وكثرة الأطفال الذين يلقون في العراء أو تهجرهم أمهاتهم دون مال للعناية بهم أو اسم أب يطلق عليهم، وأقنع كورام بعض نساء الطبقة العليا بتوقيع ملتمس بإنشاء مستشفى للقطاء، وحصل من جورج الثاني على مرسوم وألفي جنيه، ولقي النداء الذي ناشد فيه الناس التبرع للمستشفى سخاء غير متوقع، وتبرع هندل العظيم بأرغن وبموسيقى لحنه "المِسَيّا" التي عظمت قيمته الآن، وأدار حفلات موسيقية غلت عشرة آلاف جنيه، وفي ١٧٣٩ عهد الأوصياء إلى تيودور جاكوبسن بتصميم مجموعة فسيحة من المباني والملاعب أصبحت من أروع مشاهد لندن.
[٥ - الجريمة والعقاب]
كان أهل إنجلترا في القرن الثامن عشر سلالة صلبة تمرست بالمشاق وألفت العنف، سلالة قادرة على مغالبة كل صعب عسير إلا الموت. ومن الأمثلة على هذه الصفات أن عريفين اقتتلا بغير سلاح حتى مات كلاهما؛ وأن رقيبين تبارزا حتى أصيب كلاهما بجراح مميتة؛ وأن جندياً استأذن في الزواج من إحدى مومسات الجيش فعوقب بمائة جلدة. ثم مثل في الغد وظهره كله مثخن بالجراح أمام الضابط نفسه وأعاد الطلب، فأجيب إليه هذه المرة. وفاخر قارع طبل بأنه جلد ٢٦. ٠٠٠ جلدة في الأعوام الأربعة عشر التي خدم فيها الجيش، ثم جلد أربعة آلاف أخرى في عام واحد (١٧٢٧) وأفاق منها وهو مبتهج، وقيل في وصف حالته بعد قليل أنه "صحيح معافى، لا يكدره مكدر على الإطلاق (٧٤) ".
وكانت العقوبات الوحشية التي وقعت علناً مشجعاً على انتشار