الدينية، ولكن الحملة لإلغاء الرق لم تتقدم تقدماً يذكر قبل ١٧٧٢.
كانت الأخلاق في دنيا السياسة تعكس انتصار النزعة التجارية المتحجرة. فلم يكد عمل ينجز دون رشوة ولكل موظف تقريباً ثمنه، والمناصب تباع، والأصوات في البرلمان تشترى كالسلع سواء بسواء. وقد باع أعضاء البرلمان امتياز إعفاء رسائلهم من أجرة البريد، وباع كبار النبلاء المناصب في بيوتهم (٧٠)، و "وضعوا العراقيل أمام محاولات الحد من شراء الترشيحات للبرلمان، أو شراء أعضاء مجلس العموم (٧١) ". وأرسلت الدوائر الانتخابية الفاسدة أو العفنة rotten boroughs التي لا يسكنها غير حفنة من الأهالي إلى البرلمان عدداً من الممثلين يعدل العدد الذي أرسلته أقاليم تزخر بالسكان والصناعة وأرسلت "أولد سارم" التي لا يسكنها إنسان واحد، ممثلين لها، وكانت أمثال هذه الدوائر يتحكم فيها بسهولة ذوو الحسب والمال. وكان رجال الأعمال، توسلاً لنفوذ سياسي مكافئ لسلطانهم الاقتصادي، يشترون الترشيحات أو المرشحين للبرلمان بنحو ١. ٥٠٠ جنيه للمرشح (٧٢). ويمكن القول على الجملة بأن نصف القرن الذي نحن بصدده كان أقسى العهود في التاريخ الإنجليزي، ومن العسير على المؤرخ أن يفسر كيف استطاعت بريطانيا أن تنهض من فساد ذلك العصر-حتى بلغت ذلك الصيت الذائع بأمانة رجال أعمالها ونزاهة حكومتها.
على أنه كان هناك الكثير من لمسات العاطفة الرحيمة يتخلل انحطاط الأخلاق والسياسة. فهناك ملاجئ-وإن كانت سيئة الإدارة-للشيوخ والعجزة والفقراء؛ وهناك طوائف حرفية كان المعلمون فيها آباء رحماء على صبيانهم، وهناك أسر تؤوى الأيتام وتربيهم؛ وهناك جمعيات-تسمى "أندية الصندوق"-للمعونة المتبادلة في أيام العسرة. وضربت إنجلترا مثلاً رائعاً-هو الأول في التاريخ الحديث-للبر الدولي حين اكتتبت بمائة ألف جنيه للبرتغال، حليفتها الاقتصادية إغاثة منكوبي زلزال لشبونة الذي وقع في ١٧٥٥ (٧٣)، وقد فتح في الفترة بين ١٧٠٠ و١٨٢٥ مائة وأربعة وخمسون مستشفى ومستوصف جدد في بريطانيا، منها أربعة في لندن في جيل واحد