للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن شيئاً بقي بعد هذا الانهيار. فالزراعة أفادت من ارتفاع قيمة محاصيلها وهبوط العملة. وأفاقت الصناعة سريعاً لأنها وجدت حافزاً من انخفاض الفائدة وارتفاع الأسعار، وظهرت المشاريع الجديدة في كل مكان. وانتفعت التجارة الداخلية من خفض الرسوم الداخلية، واستأنفت التجارة الخارجية توسعها فيما وراء البحار بعد انحسار الفوضى. وخرجت الطبقات الوسطى سليمة كبيرة-وسعيها وراء الكسب كالعهد بها طبيعي وضروري. وتضاعف عدد الماليين وازدادوا قوة على قوة. وكسب النبلاء لأنهم دفعوا ديونهم بعملة أرخص، ولكنهم ظهروا بمظهر مخز لأنهم أبدوا وسط حمى المضاربة شهوة ملحة للكسب لا تقل افتضاحاً عنها في أي طبقة. وظلت الوصاية ملوثة بالنكول عن التزاماتها المالية وبترفها الموصول وسط الخراب الشامل. وقال ناقد مجهول الاسم في معرض الشكوى من الحال "لا بد من انقضاء قرون حتى يمكن استئصال الشر الذي يسأل عنه لو، لأنه عود الناس الدعة والترف، وجعلهم غير قانعين بحالهم، ورفع ثمن الطعام والعمل اليدوي، وجعل جميع طبقات التجار تتطلع إلى أرباح باهظة (٣٠) " ولكن تلك الروح التجارية ذاتها حفزت اقتصاد فرنسا وفكرها، رغم هبوطها بالجو الأخلاقي للمجتمع الفرنسي. فما حل عام ١٧٢٢ حتى انتعش الاقتصاد الفرنسي بقدر أتاح للوصي على العرش أن يعود، باطمئنان ضمير الحاكم، إلى أساليبه المعهودة من الحكم العطوف، والفجور الفاضح.

[٤ - الوصي]

لقد نبهته أمه الألمانية إلى ضرورة الحد من لطفه مع الناس، فقالت له "إن العطف خير من القسوة، ولكن العدالة تقوم بالعقاب كما تقوم بالثواب، ومن المؤكد أن من لا يجبر الفرنسيين على خشيته سيخشاهم بعد قليل، لأنهم يحتقرون من لا يخيفونهم (٣١) ". أما فليب، الذي شكله مونتيني، فكان يعجب بالحرية الإنجليزية، ويتكلم بتفاؤل على حكمه رعية لا تطيعه طاعة عمياء، بل تكون من الذكاء بحيث تدعه يشرح لها الدواعي التي تبرر قوانينه. ورمز لروح نظامه بتركه فرساي وسكنى الباليه-رويال، في قلب باريس ومعمعائها.