وكان يكره مراسم حياة البلاط والإعلان عنها، فترك ذلك كله وراء ظهره. ورغبة في المزيد من التيسير والخلوة رتب ألا يسكن الملك الصبي فرساي بل القصر الريفي في ضاحية فانسين. وبدلاً من أن يدس له فليب السم كما أرجفت الشائعات، عامله أرق معاملة، وأبدى نحوه كل الخضوع الواجب له، واحتفظ لويس الخامس عشر طوال حياته بذكرى شاكرة للرعاية التي أغدقها عليه الوصي (٣٢).
بعد أن دفن لويس الرابع عشر بيومين أمر فيليب بالإفراج عن جميع المسجونين في الباستيل فيما عدا أولئك الذين عرف عنهم ارتكابهم جرائم خطيرة ضد المجتمع. وكانت مئات من هؤلاء الرجال قد سجنوا بمقتضى أوامر القبض المختومة lettres de cachet التي أصدرها الملك الراحل، وأكثرهم جانسنيون لم تكن تهمتهم سوى الانشقاق الديني، ومنهم من طال العهد بهم في السجن حتى لم يعرف أحد، حتى ولا هم أنفسهم، السبب في سجنهم. مثال ذلك أن رجلاً قبض عليه قبل خمسة وثلاثين عاماً لم يحاكم قط أو ينبأ بسبب سجنه، فلما أفرج عنه وهو شيخ وجد نفسه حائراً مذهولاً، فهو لا يعرف إنساناً في باريس، ولا يملك فلساً واحداً، وعليه فقد التمس أن يبقى في الباستيل إلى آخر عمره، وأجيب إلى ملتمسه.
ونفى من باريس ميشيل لوتلييه، كاهن الملك الذي تعقب الجانسنيين من قبل. ونصح الوصي على العرش الحزبيين المتخاصمين في الكنيسة بأن يهدئا من خلافاتهما. وأغضي عن البروتستنت المتسترين، وعين عدداً منهم في وظائف إدارية. وأراد أن يجدد مرسوم نانت السمح، ولكن اليسوعيين والجانسنيين اتحدا في التنديد بمثل هذا التسامح، كذلك ثناه عن ذلك وزيره دوبوا الذي كان يحتال للظفر بقبعة الكردينالية (٣٣). "ولم ينل البروتستنت الإنصاف الذي أنكره عليهم الحزبان المتنافسان في الكنيسة إلا بفضل الفلسفة (٣٤) " فلقد كان الوصي فولتيرياً قبل فولتير. ولم يكن له عقيدة دينية واضحة، وكان على عهد لويس الرابع عشر التقى ومونتسكيو، بنشر كتب لو صدرت قبل بضع سنوات لحرم تداولها في فرنسا لما تنطوي عليه من تهديد للإيمان المسيحي.