حرب الطبقات - أصل الأنبياء - عاموس وأورشليم - إشعيا -
تنديده بالأغنياء - عقيدة المسيح المنقذ - أثر الأنبياء
لما كان الفقر ينشأ من الغنى، ولما كان الفقراء لا يعرفون أنهم فقراء إلا حين يبصرون الأغنياء بعيونهم، فإن حرب الطبقات لم يندلع لهيبها في إسرائيل إلا بعد أن رأى الناس بأعينهم ثروة سليمان الطائلة.
لقد تعجل سليمان، كما تعجل بطرس الأكبر ولينين، حينما أراد أن يحول البلاد من دولة زراعية إلى أخرى صناعية. وقد تطلبت هذه المشروعات الضخمة كثيراً من الكدح، وفرضت على الشعب أبهظ الضرائب؛ ولما أن تمت بعد عشرين عاماً من العمل المتواصل، وُجدت في أورشليم طبقة من العمال المتعطلين كانوا من عوامل الشقاق السياسي والفساد الاجتماعي في فلسطين، كما كان أمثالهم في رومة فيما بعد. وكانت الأحياء القذرة تزداد شيئاً فشيئاً كلما نمت ثروة الأفراد وزاد ترف الحاشية، وأصبح استغلال الشعب والربا عادة مألوفة بين أصحاب الضياع الكبرى والتجار والمرابين الذين أحاطوا بالهيكل حتى قال عاموس أن المُلاّك "باعوا البارَّ بالفضة والبائس لأجل نعلين"(٩٣).
وكانت الثغرة الآخذة في الاتساع بين ذوي الحاجة وذوي اليسار، وكان النزاع الشديد بين المدن والريف وهو النزاع الذي يصحب على الدوام قيام المدنيات الصناعية، من العوامل التي أدت إلى انقسام فلسطين بعد موت سليمان إلى مملكتين متعاديتين مملكة إفرايم (١) الشمالية وعاصمتها السامرة، ومملكة يهوذا
(١) كثيرا ما كان أهل هذه المملكة يسمونها مملكة "إسرائيل" ولكنا في هذا الكتاب سنطلق هذا اللفظ الأخير على اليهود جميعهم لا على هذه المملكة وحدها.