يكتنف تاريخ التسكان غموض شديد يضايق المؤرخ أشد الضيق. لقد حكم هؤلاء الأقوام مدينة روما مائة عام أو أكثر من مائة، وخلفوا في أنماط الحياة الرومانية آثارًا تجعل فهم هذه الحياة وفهم تاريخ روما متعذرين دون دراسة تاريخهم. ولكن الآداب الرومانية رغم هذه الآثار قد أغفلت ذكرهم كما تغفل المرأة النصف الجهر بأنها جاوزت سن الشباب. ومع ذلك فإن الحضارة الإيطالية، أو ما سجل منها، تبدأ من أيامهم؛ فقد وجد مختلطًا بمخلفاتهم نحو ثمانية آلاف نقش وكثير من أعمال الفن، كما وجدت شواهد على أدب ضائع يشمل الشعر والمسرحيات وكتب التاريخ (١٠). غير أن لغتهم لم يحل من رموزها إلا عدد قليل من الألفاظ لا غناء فيه، ولا يزال العلماء الآن حيارى أمام ما يكتنف هذه المعضلة التسكانية من غموض أشد مما كان يكتنف تاريخ مصر الفرعونية قبل شمبليون.
ومن أجل هذا لا يزال الجدل يثور حول التسكانيين: من هم؟ ومن أين جاءوا إلى إيطاليا؟ ومتى جاءوا إليها؟ ولعل الباحثين قد عجلوا بنبذ الروايات القديمة أسرع مما ينبغي؛ ذلك أن المتحذلقين مولعون على الدوام بتنفيذ ما يقبله الناس من الآراء، ويسوءهم ما يبقى في عقولهم منها. لقد كان معظم المؤرخين اليونان والرومان يرون أن القضايا التي لا تحتاج إلى برهان أن التسكانيين قد جاءوا من آسيا الصغرى (١٠). والحق أن في دينهم، وثيابهم، وفنهم، شواهد كثيرة توحي بأصلهم الأسيوي، وإن كان فيها أيضًا عناصر كثيرة يلوح أنها من أصل إيطالي. وأغلب الظن أن حضارة إتروريا Etruria قد نشأت من الثقافة