إننا نسميه بروتية Proteus لأنه مثل إله البحر عند هوميروس، حاول أن يفلت من أيدي صائديه بالتشكل في مختلف الأشكال (١). أما فولتير فقد أطلق على ديدرو أسم بانتوفيلس، لأنه أولع بكل فروع العلوم والأدب والفلسفة والفن. وكان له بكل هذه المجالات معرفة واسعة، وأسهم في كل واحد منها إسهاماً مثيراً موحياً. وكانت الأفكار هي كل زاده وعتاده. فجمعها وتذوقها وفحصها. ثم سكبها مشوشة تشويشاً مسرفاً حيثما وجد قرطاسياً خالياً أو آذاناً صاغية "إني أضع أفكاري على الورق ولتكن ما تكون"(٢) وربما أصبحت أعداء. ولم ينسق قط بينها ولم يهتم قط بترابطها. ويمكن أن نقتبس عنه في أي أتجاه تقريباً، ولكن نزعته المركبة كانت جلية واضحة. وكان أكثر أصالة من فولتير، وربما كان السبب في هذا أنه لم يرتض قط المعايير التقليدية. وقد يطلق لنفسه العنان دون قيود مقبولة. وتتبع كل نظرية أنى قادته، أحياناً إلى أعماقها وأحياناً أخرى إلى حثالتها. وتعرف على كل وجهات النظر إلا وجهات نظر القسيس والقديس لأنه لم يكن لديه حقائق أو أشياء يقينية "أني لا أهتم بتشكيل السحب أكثر مني بتبديدها، وتعطيل القرار أو الحكم، لا بأتخاذه .. أنا لا أقرر، بلى أتساءل (٣) أنا أترك ذهني يهيم إلى حد السرف، وأطلق العنان لمتابعة أية فكرة سليمة كانت أو طائشة، تأتي أو تقفز إلى ذهني أولاً، وأتعقبها كما يتعقب الشباب الداعر محظية بائسة وهي تبتسم، وتتلألأ عيناها وتنظر بأزدراء … إن أفكاري هي محظياتي (٤).