للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الثاني

[فرجيل]

ولد فرجيل أحب الرمان إلى القلوب في عام ٧٠ ق. م في ضيعة قرب منتوا Mantua، حيث يتعرج نهر منسيو Mincio ويتجه على مهل نحو البو. ولم تنجب العاصمة من بعدهِ إلا عدداً جد قليل من العظماء، فقد كانوا في القرن الذي تلا مولد هذا الشاعر والذي ولد المسيح في منتصفهِ يجيئون من إيطاليا، ثم جاءوا فيما بعد ذلك من الولايات. ولعل الدم الكلتي كان يجري في عروق فرجيل لأن الغاليين سكنوا منتوا قبل مولدهِ بزمن طويل. وكان هو من الوجهة القانونية غاليَّ المولد لأن أهل غالة الجنوبية لم يمنحوا حق المواطنية الرومانية على يد قيصر إلا بعد مولد باثنين وعشرين عاماً. ولعل هذا هو الذي جعل هذا الشاعر الذي كان أفصح من تغنى بعظمة رومة ومصيرها لا يذكر فيما بعد شيئاً عما يتصف بهِ الجنس الروماني من قوة الجسم وقدرة على مغالبة الصعاب، بل يتغنى بما في خلق الكلت من تصوف ورقة ورشاقة، وهي صفات قل أن يجدها الإنسان في العنصر الروماني الأصيل.

وكان والده كاتب محكمة، فادخر من مرتبهِ ما يكفي لشراء ضيعة وتربية النحل فيها، وقضى الشاعر طفولته في هذه البيئة الهادئة الطنانة، ولذلك ظلت أشجار الشمال الظليلة ومياهه الغزيرة عالقة بخيالهِ بعد أن شب وترعرع، ولم يكن يحس بالسعادة الحقة إلا بين تلك الحقول والمجاري المائية. ولما بلغ الثانية عشر من عمره أرسل إلى المدرسة في كرمونا Cremona، ثم أرسل في الرابعة عشر إلى ميلان، وفي السادسة عشر إلى رومة؛ وهنا درس البلاغة وما يتصل بها من الموضوعات على الرجل الذي درسها عليهِ أكتافيان