يقضونهُ في التغني بجمال الزرع وبفضائل الآباء. ومجد رومة وعظمة الآلهة. وسار الأدب في ركاب الحكم، وأضحى مواعظ تدعو الأمة إلى الاستمساك بالأفكار الأغسطية.
وكانت البلاد قوتان تقاومان تسخير الأدب لخدمة الدولة على النحو السالف الذكر. أولاهما "جوع هوراس البغيضة الدنسة" التي كانت تحب الأدب القديم والمسرحيات القديمة وما فيها من هجوٍ لاذع وتجريح وتفضلهما على جمال الأدب الجديد المعطر المنمق. أما القوة الثانية فكانت دنيا الأراذل والعاهرات، دنيا المرح والرذيلة، التي كانت تنتمي إليها كلوديا ويوليا. وقد ثارت هذه الفئة الغنية ثورة جامحة على القوانين اليوليوسية، وكانت تعارض كل إصلاح خلقي، وكان لها شعراؤها، ومجامعها ومعاييرها الأخلاقية والاجتماعية. وأخذت القوتان المتعارضتان تتطاحنان في الأدب كما تتطاحنان في الحياة، فتلتقيان تارة كما التقتا في تيبلس، وبروبيرتيوس، وتقاومان تُقى فرجيل وعفته ببذاءة أوفد وجرأتهِ، وتقضيان على يوليا وابنتها (١) وعلى شاعر بالنفي من البلاد، وتظلان في هذا التطاحن حتى تُنهِك كلتاهما الأخرى في العصر الذهبي. لكن ضمائر الأحداث العظيمة، وما هيأتهُ الثروة والسلم للناس من فراغ أطلق قرائحهم، وعظمة العالم الذي كان يدين لرومة بالطاعة، كل هذا قد غلب على ما في طبيعية الدولة من جمود، وأنتج عصراً ذهبياً ظل الناس في مستقبل الأيام يرون أنهُ أخرج أكمل الأدب طرا في صورتهِ ولفظهِ.
(١) يقصد يوليا ابنة أغسطس وابنتها يوليا. (المترجم)