من أن كتابه يُشترى ويباع في بريطانيا. وكان لمعظم الناس في ذلك الوقت حتى الشعراء أنفسهم وكتبات خاصة ويصف أوفد مكتبته وصفاً ينم عن تعلقه بها. ويُستدل من أقوال مارتيال على أن المولعين باقتناء الكتب قد وجدوا حتى في ذلك العهد السحيق، فكانوا يجمعون النسخ الأنيقة الفخمة والمخطوطات النادرة؛ وقد أنشأ أغسطس دارين من دور الكتب العامة، وحذا حذوه تيبيريوس، وفسبازيان، ودومتيان Domitian، وتراجان، وهدريان، فلم يحل القرن الرابع قبل الميلاد حتى كان في رومة وحدها ثمان وعشرون من هذه الدور. وكان الأجانب من الطلاب والكتاب يُقبلون عليها وعلى المحفوظات العامة للدرس والبحث؛ فأقبل ديونيشيوس من هليكرنسس Halicarnassus، وديودور من صقلية، وأخذت رومة تنافس الإسكندرية في الحياة العامة، وأضحت العاصمة الأدبية للعالم الغربي.
وكان هذا الازدهار سبباً في تحول الأدب والمجتمع كله عما كانا عليهِ من قبل، فعلت مكانة الآداب والفنون، وأخذ النحاة يحاضرون عن الأحياء من المؤلفين، وكان الناس يُنشدون مقطوعات من أقوالهم في الطرقات، والكتاب يختلطون بكبار الحكام وبنساء الطبقات العالية في الندوات الخاصة إلى حد لم يشهد التاريخ له نظيراً من بعد إلا في عصر ازدهار الآداب في فرنسا. وأضحى الأشراف أنفسهم رجال أدب، كما أضحى الأدب نفسه أرستقراطياً، وحل محل فجور إينوس، وبلوتس، ولكريشيوس العارم جمال رقيق أو تعقيد بغيض في التعبير والتفكير. وامتنع الكتاب عن الاختلاط بالجماهير، فامتنعوا عن وصف أساليبهم في الحياة وعن التحدث بلغتهم؛ فبدأ الأدب ينفصل عن الحياة انفصالاً أفقد الآداب اللاتينية ما كان لها من حيوية. وأضحت الآداب تُصاغ على الأنماط اليونانية، كما كانت موضوعاتها تؤخذ من التقاليد اليونانية أو من بلاط أغسطس. وكان الشعراء إذا بقي لديهم وقت بعد وصف الرعاة على نحو ما كان يفعل ثيوكريتس، أو الحب كما كان يفعل أناكريون Anackreon،