ثم لما تصوروا أن القوى الخارقة للطبيعة لها أثرها في حياة الإنسان عند كل منعطف في الطريق، فقد أصبحت قوة رجال الدين مساوية لقوة الدولة؛ وجعل الكاهن) أو القسيس (منذ أقدم العصور إلى أحدثها ينافس الجندي المقاتل في سيادة الناس والإمساك بزمامهم، حتى لقد راح الفريقان يتناوبان ذلك، وحسبنا في التمثيل لذلك أن نسوق مصر، ودولة اليهود وأوروبا في العصور الوسطى أمثلة.
إن الكاهن لم يخلق الدين خلقاً، لكن أستخدمه لأغراضه فقط، كما يستخدم السياسي ما للإنسان من دوافع فطرية وعادات؛ فلم تنشأ العقيدة الدينية عن تلفيقات أو ألاعيب كهنوتية، إنما نشأت عن فطرة الإنسان بما فيها من تساؤل لا ينقطع وخوف وقلق وأمل وشعور بالعزلة؛ نعم إنا لكاهن قد أضر الناس بإبقائه على الخرافة وباحتكاره لضروب معينة من المعرفة، لكنه مع ذلك عمل على حصر الخرافة في نطاق ضيق، وكثيراً ما كان يحمل الناس على إهمال شأنها، وهو الذي لقن الناس بداية التعليم والتهذيب، وكان بمثابة المستودع وأداة التوصيل بالنسبة للتراث الثقافي الإنساني المتزايد؛ وكان عزاء للضعيف في استغلال القوى له استغلالاً لم يكن عنهم نصرف ولا محيص؛ كما أصبح الفعل الفعال الذي أعان الدين على تغذية الفنون، وتدعيم بناء الأخلاق الإنسانية المترنح بدعامة من القوة العليا؛ فلو لم يجد الناس بينهم كاهناً لخلقوه لأنفسهم خلقاً.
[٤ - مهمة الدين الخلقية]
الدين والحكومات - المحرمات الجنسية - تأخر الدين - التحول العلماني
الدين دعامة الأخلاق بوسيلتين أساسيتين هما الأساطير والمحرمات؛ فالأساطير هي التي تخلق العقيدة فيما وراء الطبيعة، ثم يكون من شأن هذه العقيدة أن تضمن بقاء أنواع من السلوك يريد المجتمع) أو يريد الكهنة (بقاءها؛ فما يرجوه الفرد في السماء من ثواب وما يخشاه لديها من عقاب يضطره اضطراراً أن يذعن للقيود