تنشأ الحضارة من عاملين أساسيين هما الأرض والعمل-ومن موارد الأرض الطبيعية تحولها رغبات الإنسان وجهوده وتنظيمه إلى ما فيه منفعته. فمن وراء المظاهر الخارجية لحاشية الملوك والقصور، والهياكل، والمدارس، والآداب، والترف، والفنون، ومن تحتها يقف الإنسان أحد العاملين الأساسيين في الحضارة، الإنسان الصياد يأتي بالصيد من الغاب؛ والحطاب يقطع الأشجار منها؛ والراعي يرعى قطعانه ويربيها؛ والفلاح يمهد الأرض، ويحرثها، ويزرعها، ويحصد غلاتها، ويعنى بالحدائق، والكروم، ويربي النحل، والدواجن الطيور؛ والمرأة تنهمك في مئات الصنائع اليدوية والأعمال المنزلية؛ والعامل ينقب عن المعادن في باطن الأرض، والبناء يقيم المنازل ويصنع المركبات والسفن؛ والصانع ينتج السلع والأدوات، والبائع الجائل، أو صاحب الحانوت، أو التاجر يجمع بين الصانع والمستهلك ويفرق بينهما، والمستثمر يمد الصناعات بأمواله المدخرة؛ والمدير المنفذ يسخر الجهود العضلية، والمواد الأولية، والعقول لإنشاء الخدمات وإيجاد السلع. أولئك هم العمال القلقون الصابرون رغم صبرهم الذين تركب على ظهورهم المتمايلة المتأرجحة حضارة العالم المزعزعة.