على أرجلها دون أن تتعب، أما الإنسان فهو في حاجة إلى ما يجلس عليه. وحتى هذه الفقرة الأخيرة تكشف عن طبيعة أرسطوطاليس العلمية؛ فمؤلف هذا الكتاب يرى أن من الأمور المسلم بها أن الإنسان حيوان، ولهذا يبحث عن الأسباب الطبيعية لما بين الإنسان والحيوان من فروق في التشريح. وقصارى القول أن تاريخ الحيوان في مجموعه هو خير مؤلفات أرسطوطاليس على الإطلاق، وأنه أعظم ما أثمره العلم في بلاد اليونان أثناء القرن الرابع. وقد لبث علم الأحياء عشرين قرناً ينتظر ظهور مؤلف يضارعه.
[٣ - الفيلسوف]
إذا ما انتقل أرسطوطاليس إلى دراسة الإنسان نفسه أصبح ميتافيزيقياً أكثر منه عالماً طبيعياً. ولسنا ندري هل منشأ هذا التحول هو تقواه الشديدة أو احترامه لآراء بني الإنسان. وهو يعرف النفس (Psyche) أو العنصر الحيوي بأنه "الدافع الداخلي الأول في الكائن العضوي" أي الصورة الفطرية المقدرة لهذا الكائن والتي تدفع نماءه وتحدد اتجاهه. وليست النفس شيئاً يأتي إلى الجسم من خارجه أو يسكن فيه بل هي موجودة معه في كل جزء من أجزائه، أي أنها هي الجسم نفسه من حيث "قدرته على تغذية نفسه وتنميته وانحلاله"؛ فهي جماع وظائف الكائن العضوي، وهي للجسم كقوة الإبصار للعين. بيد أن هذه الناحية الوظيفية ناحية أساسية، فالوظائف هي التي توجد التراكيب والرغبات هي التي تشكل الأعضاء، والنفس هي التي تكون الجسم:"فالأجسام الطبيعية كلها أعضاء للنفس (١) ".
(١) ويضيف أرسطو طاليس إلى قوله السابق الدال على نزعة مثالية عجيبة قوله: إن "النفس هي بمعنى ما جميع الموجودات؛ لأن الأشياء كلها إما إحساسات أو أفكار" وهو يتفق في آرائه مع بركل Berkeley ومع هيوم Hume في آن واحد. أنظر مثلاً إلى قوله: "إن العقل واحد ومستمر بالمعنى الذي تكون به عملية التفكير واحدة مستمرة؛ والتفكير هو بعينه الأفكار الي هي أجزاؤه.