كانت حياة فارس حياة سياسية وحربية أكثر منها اقتصادية؛ عماد ثروتها القوة لا الصناعة؛ ومن أجل ذلك كانت مزعزعة الكيان أشبه ما تكون بجزيرة حاكمة وسط بحر واسع خاضع لسلطانها خضوعاً غير قائم على أساس طبيعي. وكان النظام الإمبراطوري الذي يمسك هذا الكيان المصطنع من أقدر الأنظمة ولا يكاد يوجد له شبيه؛ فقد كان على رأسه الملك أوخشترا أي المحارب (١)، وهو لقب يدل على منشأ الملكية الفارسية العسكري وصبغتها العسكرية. وإذا كان تحت سلطانه ملوك يأتمرون بأمره فقد كان الفرس يلقبونه "ملك الملوك" ولم يعترض العالم القديم على هذه الدعوة، غير أن اليونان لم يكونوا يسمونه بأكثر من باسليوس أي الملك (٣٤).
وكان له من الوجهة النظرية سلطة مطلقة؛ فكانت كلمة تصدر من فمه تكفي لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب، على الطريقة التي يتبعها أحد الحكام الطغاة في هذه الأيام. وكان في بعض الأحيان يمنح أمه أو كبيرة زوجاته حق القتل القائم على النزعات والأهواء (٣٥). وقلما كان أحد من الأهلين، ومن بينهم كبار الأعيان، يجرؤ على انتقاد الملك أو لومه، كما كان
(١) ولا يزال هذا اللفظ باقياً حتى الآن في اسم ملك الفرس (الشاه) وكذلك لا يزال أصله باقياً في لفظ سترب، الذي يسمى به حكام الأقاليم في فارس وفي لفظ كشاتريا أو الطبقة الحاكمة في الهند.