للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تبلغ الملاحة في فارس ما بلغه النقل البري من رقي عظيم. فلم يكن للفرس أسطول خاص بهم، بل كانوا يكتفون باستئجار سفن الفينيقيين أو الاستيلاء عليها لاستخدامها في الأغراض الحربية، وقد احتفر دارا الأول قناة عظيمة تصل فارس بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأحمر والنيل، ولكن إهمال خلفائه ترك هذا العمل العظيم تبعث به الرمال السافية.

وأصدر خشيارشاي أمره الملكي إلى قسم من قواته البحرية بأن يطوف حول إفريقية، ولكنه لم يكد يجتاز أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق الحالي) حتى عاد من رحلته يجلله الخزي والعار (٣٠). وكانت الأعمال التجارية تترك في الغالب لغير أبناء البلاد- للبابليين والفينيقيين واليهود؛ ذلك أن الفرس كانوا يحتقرون التجارة ويرون أن الأسواق بؤرة للكذب والخداع. وكانت الطبقات الموسرة تفخر باستطاعتها الحصول على معظم حاجاتها من حقولها وحوانيتها بغير واسطة، دون أن تدنس أصابعها بأعمال البيع والشراء (٣١). وكانت الأجور والقروض وفوائد الأموال تؤدى في بادئ الأمر سلعاً، وأكثر ما كانت تؤدى به الماشية والحبوب؛ ثم جاءتهم النقود من ليديا، وسكّ دارا "الداريق" من الذهب والفضة وطبع عليه صورته (١).، وكانت نسبة قيمة الدريق الذهبي إلى الدريق الفضي كنسبة ١٣. ٥ إلى ١. وكان هذا بداية وضع نسبة بين النقدين في الوقت الحاضر (٣٣).


(١) ليس هذا اللفظ صلة ما باسم دارا، بل إن لفظ دريق مشتق من كلمة زريق الفارسية وهي القطعة من الذهب. وكانت قيمة الدريق الذهبي الاسمية ٥ ريالات أمريكية. وكانت ثلاثة آلاف دريق ذهبي تعدل منا فارسياً