لم يزل القرنان اللذان صور تاريخهما الأوربي تصويراً مجملا سريعاً في الفصول السابقة، يعدان جزءاً مما اصطلح على تسميته بالعصر الوسيط وهو ما نستطيع أن نحدده تحديداً تقريبياً بأنه سيرة أوربا بين قسطنطين وكولمبس، أي من ٣٢٥ إلى ١٤٩٢. وإذا أردنا أن نلخص الآن العلم والتربية والفلسفة في غرب أوربا إبان القرنين الرابع عشر والخامس عشر، فيجب أن نتذكر أن الدراسات العقلية كان عليها أن تحارب من أجل الحصول على التربية والهواء في غابة من الخرافة والتعصب والخوف. وبين أحداث القحط والطواعين والحروب، وفي الفوضى الضاربة على البابوية الشاردة والمنقسمة على نفسها بحث الرجال والنساء في القوى الخفية عن بعض التفاسير لما ينزل بالإنسانية من شقاء خفي وعن قوة سحرية ما تتحكم في الأحداث، وعن ضرب من الفرار الصوفي من الواقع المرير، وسارت حياة العقل متعثرة في وسط من العرافة والسحرة واستحضار الأرواح وقراءة الكف وفراسة الدماغ والاستنباء بالعدد والعيافة والطيرة والتنبؤ وتفسير الأحلام وطوالع النجوم والتحويل الكيميائي للمواد والعلاج بالخوارق وللقوى الخفية في الحيوان والمعدن والنبات. ولا تزال هذه الأعاجيب حية في أعطافنا اليوم. وتظفر هذه أو تلك منها بالولاء الصريح أو الخفي من كل واحد منا تقريباً ولكن تأثيرها الحالي في أوربا اليوم أقل بكثير من سلطانها في العصور الوسطى ..