للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

[الحضارة الإسلامية في إفريقية]

كان الأمراء والخلفاء في القاهرة، والقيروان، وفاس، ينافس بعضهم بعضاً في إقامة المباني، وتشجيع التصوير، والموسيقى، والشعر، والفلسفة؛ ولكن كل ما بقي من المخطوطات من ذلك الوقت في شمالي إفريقية مخبوء الآن في دور الكتب التي لم يبدأ علماء الغرب في ارتيادها إلا منذ وقت قريب (١). وقد اندثرت معظم آيات الفن ولم يبقَ ما يشهد على عظمة ذلك العصر وروحه إلا المساجد وحدها. ففي القيروان مسجد سيدي عقبة الذي أنشئ أولاً في عام ٦٧٠ وجدد بناؤه سبع مرات، والذي يرجع الجزء الأكبر منه إلى عام ٨٣٨. وتعتمد أروقته ذات العقود المستديرة على مئات من العمد الكورنثية المأخوذة من خرائب قرطاجة، ومِنبره آية رائعة من آيات النحت الخشبي، ومحرابه من الرخام السماقي والقاشاني؛ ومئذنته المربعة الضخمة- وهي أقدم مئذنة في العالم (١٣) - أصبحت هي الطراز السوري الذي أقيمت على مثالهِ مآذن الغرب. وبفضل هذا المسجد أصبحت القيروان رابعة المدن الإسلامية المقدسة "أبواب الجنة الأربعة" ولا تقل مساجد فاس، ومراكش، وتونس، وطرابلس عنها في الروعة والفخامة إلا قليلاً.

وكانت المساجد في القاهرة ضخمة كثيرة العدد؛ ولا تزال هذه الحاضرة الفاتنة تزدان بنحو ثلاثمائة من هذه المساجد. ومن أشهرها مسجد عمرو بن العاص وقد بدئ بإنشائهِ في عام ٦٤١، وأعيد بناؤه في القرن العاشر، ولم يبقَ من


(١) وقد شرعت جامعة الدول العربية في البحث عن هذه المخطوطات في هذه البلاد وفي غيرها من بلدان آسية وأوربا وتصويرها. (المترجم)