الثروات الضخمة كثيري العدد؛ وقد استطاع أحد التجار، وهو مسيحي، أن يطعم السكان كلهم من مالهِ الخاص مدة خمس سنين أصيبت فيها البلاد بالقحط بسبب انخفاض فيضان النيل؛ وترك يعقوب بن كلس وراءه ضياعاً تقدر قيمتها بما يوازي ثلاثين مليون دولار أمريكي (١٠). واشترك هؤلاء الأثرياء مع الخلفاء الفاطميين في بناء المساجد، وإنشاء دور الكتب، والمدارس الكبرى، وتشجيع العلوم والفنون. وكان حكم الفاطميين بوجه عام حكماً صالحاً خيّراً طابعه الحرية والتسامح على الرغم مما كان يشينه أحياناً من قساوات، ومن ترف وإتلاف، وبالرغم من الاستغلال المعتاد للعمال، ومن العدد المطلوب من الحروب؛ وكان يضارع في رخائه وثقافته أي عهد آخر في تاريخ مصر (١١).
وأخذ حكم الفاطميين في الضعف أيام المستنصر (١٠٣٦ - ١٠٩٤)، وهو ابن أمة سودانية. وقد أقام هذا الخليفة سرادقاً فخماً (١) يقضي فيه أوقات ممتعة، وعاش عيشة الموسيقى، والخمر، واللذة؛ وكان يقول إن تلك الحياة خير لديه من التحديق في حجر أسود، والاستماع إلى صوت المؤذن الممل، وشرب الماء العكر (من بئر زمزم في مكة)(١٢). وثار عليه جنوده الأتراك في عام ١٠٦٧، وأغاروا على قصرهِ، ونهبوا منه كنوزاً فنية لا تقدر بثمن، ومقداراً عظيماً من الجواهر، وحمل خمسة وعشرين بعيراً من المخطوطات اتخذ الضباط الأتراك بعضها وقوداً لتدفئة بيوتهم، كما اتخذوا جلودها المصنوعة من الجلد الرقيق البديع لإصلاح نعال جواريهم. ولما توفي المستنصر تمزقت أوصال الدولة الفاطمية، وانقسم جيشها الذي كان من قبل قوياً إلى شيع متنازعة من البربر، وسودانيين، وأتراك؛ وكانت إفريقية ومراكش قد انفصلتا عنها، وثارت عليها فلسطين، وضاعت منها بلاد الشام. ولما أن خلع صلاح الدين آخر الخلفاء الفاطميين في عام ١١٧١، كانت أسرة أخرى من الأسر التي حكمت مصر قد ساقها السلطان والانغماس في الملذات إلى ما ساق إليه سابقاتها من الضعف والفناء.