للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما انتقلت منها فكرة النار الأخيرة إلى المسيحية بطريق الرواقية، وكما صارت الكلمة أو عقل الطبيعة في اللاهوت المسيحي هي الكلمة الإلهية، أو الحكمة المجسدة التي يخلق الله بها الأشياء كلها ويحكمها. وقد مهدت هذه الفلسفة إلى حد ما لفكرة القانون الطبيعي في الفلسفة الحديثة؛ وأصبحت الفضيلة بوصفها إطاعة الطبيعة شعار الرواقية؛ وانتعشت وحدة الأضداد انتعاشاً قوياً في فلسفة هيجل، واستردت فكرة التغير في فلسفة برجسن Bergson ما كان لها من قوة، وعادت إلى الظهور فكرة التنازع والكفاح المحددة لجميع الأشياء، في فلسفة دارون، واسبنسر، ونتشه - وقد واصل آخرهم حرب هرقليطس ضد الديمقراطية بعد أربعة وعشرين قرناً.

ولا نكاد نعرف شيئاً عن حياة هرقليطس؛ ولا نعرف عن موته إلا قصة لا سند لها، رواها إديوجنيس ليرتس توضح لنا ما قد تنتهي إليه حياة النوابغ الأفذاذ. ذلك أنه أصبح أخيراً شديد الكره للإنسانية، فكان يقضي وقته يضرب في الجبال يقتات بالعشب والنبات، فأصابه بسبب هذا داء الاستسقاء، وعاد إلى المدينة يسأل الأطباء ويحاورهم هل يستطيعون أن يحدثوا الجفاف بعد الجو الرطب؟ ولما لم يفهموه حبس نفسه في حظيرة ثيران، وغطى نفسه بروث البقر، لعل الرطوبة تتبخر منه بما يحدثه هذا الروث من دفء، ولكن عمله هذا لم يفده شيئاً، ومات بعد أن عاش من العمر سبعين عاماً (٥٨).

[٤ - أنكريون التئوسي]

تقوم كلوفون Colophon على مسيرة بضعة أيام من إفسوس، ولعل اسمها مأخوذ من اسم التل الذي تقوم على جانبه (١) وقد ولد فيها حوالي ٥٧٦ ق. م.


(١) من لفظ Kolophon اليوناني ومعناه تل ويقابل باللاتينية Collis وبالإنجليزية Hill ولما كان فرسان المدينة قد اشتهروا بإجهازهم على قوى العدو المنهزم، فقد أصبحت كلمة Kolophon في اللغة اليونانية مرادفة لعبارة الضربة القاضية؛ ولما انتقلت إلى اللغة الإنجليزية أضحت رمزاً للناشرين كانوا يضعونها أولاً في نهاية الكتاب.