وجد أبو العباس السفاح نفسه حاكماً لدولة واسعة الأرجاء تمتد من نهر السند إلى المحيط الأطلنطي، وتشمل بلاد السند (الشمال الغربي من الهند)، وبلوخستان وأفغانستان، والتركستان، وفارس، وأرض الجزيرة، وأرمينية، والشام، وفلسطين وقبرص، وكريت، (إقريطش)، ومصر، وشمالي أفريقية. ورفضت أسبانيا المسلمة الخضوع إليه، وخرجت بلاد السند عن طاعته في السنة الثانية عشرة من حكمه. ورأى السفاح أن دمشق تكرهه، وأنه لا يأمن على نفسه في مدينة الكوفة المشاكسة المضطربة، فنقل العاصمة إلى الأنبار الواقعة في شمال الكوفة. وكانت الكثرة الغالبة ممن رفعوه إلى العرش فرساً في ثقافتهم وأصولهم. وبعد أن ارتوى السفاح من دماء أعدائه اصطبغ بلاطه بشيء من الرقة ودماثة الأخلاق الفارسية، وجاءت من بعده طائفة من الخلفاء المستنيرين، استخدموا ثروة الدولة المتزايدة في مناصرة الفنون والآداب، والعلوم، والفلسفة حتى ازدهرت وأثمرت أينع الثمار؛ وبعد أن مضت مائة عام على بلاد الفرس، وهي في ذلة الخضوع غلبت غالبيها.
ومات السفاح بالجدري في عام ٧٥٤، وخلفه أبو جعفر من أبيه ولقب بالمنصور. وكانت أمه جارية من البربر، وكانت أمهات جميع الخلفاء العباسيين السبعة والثلاثين إلا ثلاثة منهم جواري. وقد أدى إلى