للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرّابع

[الفلسفة]

لقد استعار الإسلام في الفلسفة، كما استعار في الطب، من بلاد الشام المسيحية ما خلفته بلاد اليونان الوثنية، ثم رد هذا الدين إلى أوربا المسيحية عن طريق الأندلس الإسلامية. وكانت هناك بطبيعة الحال عوامل كثيرة هي التي أدت مجتمعة إلى ثورة المعتزلة، وإلى فلسفات الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد. وكان للآراء الزرادشتية واليهودية عن الحشر والحساب بعض الأثر في الفلسفة الإسلامية؛ وكان الملاحدة المسيحيون قد أثاروا عجاج الجدل في بلاد الشرق الأدنى في صفات الله، وفي طبيعة المسيح وكلمة الله، وفي الجبرية والقدرية، والوحي والعقل. لكن العامل الذي كان له أكبر الأثر غي التفكير الإسلامي في آسية-كما كان له أكبر الأثر في إيطاليا أيام النهضة-هو كشف آثار اليونان الفكرية من جديد؛ فقد أدى هذا الكشف -وإن أتى عن طريق التراجم الناقصة المعيبة لنصوص مشكوك في صحتها-إلى ظهور عالم جديد: عالم كان الناس يفكرون فيه في كل شيء ولا يخشون أن يصيبهم أذى بسبب هذا التفكير، ولا تقيد عقولهم نصوص الكتب المقدسة، ولا يرون أن السماء والأرض وما بينهما قد خلقت عبثاً (١) أو أنها وجدت بمعجزة من المعجزات التي لا تستند إلى قانون من قوانين العقل، بل يرون أنها تستند إلى قانون عام عظيم


(١) لم يكن هذا التفكير مقصوراً على اليونان وحدهم، بل قد جاء بهِ القرآن نفسه في عدة آيات: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين": سورة الأنبياء: ١٦؛ وسورة ص: ٢٧ وسورة الحجر: ٨٥؛ وسورة الدخان: ٣٨.