للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

[المسيحيون واليهود]

في القرن الرابع الميلادي كانت الشؤون الكنسية، في عالم البحر المتوسط الذي تعتمد فيه الدولة اعتماداً كبيراً على الدين، قلقة مضطربة إلى حد شعرت الحكومة معه أن لا بد لها من أن تتدخل في أسرار الدين وخفاياه. ذلك أن مجمع نيقية الذي عقد في عام ٣٢٥ لم يضع حداً للنقاش الحاد الذي احتدم أواره بين أثناسيوس وأريوس، بل ظل كثير من الأساقفة -كانوا هم الكثرة الغالبة في الشرق (٩) - يناصرون أريوس، سراً أو جهراً؛ أي أنهم كانوا يرون أن المسيح ابن الله، ولكنه لا يشترك مع الأب في مادته ولا في خلوده. ولم يستنكف قسطنطين نفسه، بعد أن قبل قرار المجمع، وطرد أريوس من البلاد، أن يدعوه إلى اجتماع شخصي معه (٣٣١)؛ فلما أجتمع به لم يجد في أقواله ما يستطيع أن يعده خروجاً على الدين، وأوصى بأن ترد إلى أريوس وأتباعه كنائسهم. واحتج أثناسيوس على ذلك، فاجتمع في صور مجلس من أساقفة الشرق وقرر خلعه من كرسي الإسكندرية الديني (٣٣٥)، وظل عامين طريداً في غاله. أما أريوس فقد زار قسطنطين مرة أخرى، وأعلن قبوله للعقيدة التي قررها مؤتمر نيقية بعد أن أضاف إليها تحفظات دقيقة لا ينتظر من إمبراطور أن يفهمها. وآمن قسطنطين بأقواله، وأمر الإسكندر بطريق القسطنطينية أن يقبله في العشاء الرباني. وفي هذا يقص سقراط المؤرخ الكنسي هذه القصة المحزنة المؤلمة:

"كان ذلك يوم السبت، وكان أريوس يتوقع أن يجتمع بالمصلين في اليوم الذي يليه، ولكن القصاص الإلهي عاجله فأحبط عمله الإجرامي الجريء. ذلك