القانون الأعلى. وكان الأباطرة يرون أن الديمقراطية قد أخفت في تحقيق أغراضها، وأنها قد قضت على الإمبراطورية التي ساعدت هي على إقامتها. نعم أنه قد يكون في وسعها أن تحكم المدينة، ولكنها عجزت عن حكم مائة ولاية مختلفة الأوضاع. ولقد أسرفت في الحرية حتى جعلتها إباحية، ثم أسرفت في الإباحية حتى أصبحت فوضى، وحتى هددت حروبها الأهلية وحروب الطبقات الحياة الاقتصادية والسياسية لعالم البحر المتوسط، وانتهى دقلديانوس وقسطنطين إلى أن النظام لا يمكن أن يعود إلا بقصر المناصب العليا على الأشراف ما بين كنت Conites ودوق Duces. لا يختارون على أساس مولدهم، بل يعينهم الإمبراطور الذي يتحمل تبعة الحكم كاملة، ويستمتع بالسلطة كاملة، والذي تحيط به هالة رهيبة من المهابة، والترفع، والعزلة عن الشعب والأبهة الشرقية، وما تخلعه عليه الكنيسة من مراسم التتويج، والتقديس، والتأييد. ولعل هذا النظام كان له ما يبرره من الظروف المحيطة بالدولة في ذلك الوقت، ولكنه لم يفرض على إرادة الحاكم قيوداً إلا مشورة أعوان يهمهم أن يرضوه، وإلا خوفه من الموت المفاجئ. نعم إن هذا النظام قد أوجد أداة إدارية وقضائية قديرة إلى أقصى حدود القدرة، وأطال حياة الإمبراطورية البيزنطية نحو ألف عام كاملة، ولكنها اشترت هذه الحياة بالركود السياسي وبالجمود في كل مناحي الحياة العامة، وبمؤامرات الحاشية، ودسائس الخصيان، وحروب الوراثة، وبعشرات الثورات التي شبت نارها في القصر، والتي رفعت إلى العرش أباطرة كفاة في بعض الأحيان، ولكنها قلما رفعت إليه أباطرة ذوي استقامة خلقية؛ وما أكثر من رفعت إليه من المغامرين الذين لا ضمير لهم، أو من العصابات الألجركية، أو من الحمقى البلهاء.