اليونانية والعاطفة المسيحية كانت أسباب التسلية واللهو في القسطنطينية أقل قسوة من نظائرها في روما، وشاهد ذلك أننا لا نسمع في العاصمة الجديدة عن قتال المجالدين؛ ومع هذا فإن أشواط سباق الجياد والعربات البالغة أربعة وعشرين شوطاً، وهي الجزء الأهم من منهاج الاحتفالات كانت تثير في نفوس الجماهير ما تثيره حفلات الأعياد الرومانية في نفوس الرومان من حماسة بالغة. وكان ركاب الخيل والعربات المحترفون يقسمون إلى فئات زرق، أو خضر، أو حمر، أو بيض حسب من يستخدمونهم من أصحاب الخيل والعربات؛ وحسب ما يرتدون من ثياب؛ وعلى هذا النحو أيضاً يسقم النظارة، بل وينقسم سكان المدينة على بكرة أبيهم. وكان الحزبان الرئيسيان -الزرق والخضر- يقتتلان بالخناجر في المضمار وبالخناجر أحياناً في شوارع المدينة. ولم يكن في وسع السكان أن يعبروا عن مشاعرهم إلا في أثناء هذه الألعاب والمباريات، ففيها كانوا يطالبون بحقهم في أن ينالوا رعاية الحكام، أو في ما يريدونه من ضروب الإصلاح، أو في الشكوى من ظلم الحكام، كانوا في بعض الأحيان يعتبون على الإمبراطور نفسه وهو جالس في مقعده الأمين الرفيع الذي كان يتصل بقصره بمخرج يقوم عليه حراس مدججون بالسلاح.
أما فيما عدا هذا فقد كانت جمهرة السكان لا حول لها ولا طول من الناحية السياسية. ذلك أن دستور قسطنطين، الذي لم يكن في واقع الأمر إلا استمراراً لدستور دقلديانوس، كان دستور دولة ملكية مطلقة سافرة. وقد كان في وسع مجلسي الشيوخ في القسطنطينية وفي روما أن يناقشا المسائل المعروضة عليهما، وأن يشرعا، ويفصلان في بعض القضايا، ولكن هذا كله كان يخضع لحق الرفض المخول للإمبراطور. وقد استحوذ على حقوقهما التشريعية مجلس الحاكم الاستشاري المعروف باسم المجلس التشريعي الأعلى المقدس. يضاف إلى هذا أنه كان من حق الإمبراطور أن يسن القوانين بمراسيم يصدرها بنفسه، كما أن إرادته كانت هي