وحدثت أزمة جديدة حين قررت مدام ديينيه في أكتوبر ١٧٥٧ أن تزور جنيف. وإليك قصة روسو:
كتبت إليّ تقول "يا صديقي، سأقوم فوراً بالرحلة إلى جنيف، لأن صدري ساءت حالته، وصحتي اعتلت كثيراً، بحيث يتعين عليّ أن أذهب لاستشارة ترونشان". وزادت دهشتي لهذا القرار الذي اتخذ هكذا فجأة، وفي بداية أسوأ طقس في السنة … وسألتها من سيصحبها، فأجابت بأنه ابنها ومعلمه مسيو دليفان، ثم أردفت بغير اكتراث "وأنت يا عزيزي، ألا تذهب أنت أيضاً؟ " ولم يخطر لي أنها جادة فيما تقول، لأنني في هذا الفصل منت لا أكاد أقوى على المضي إلى حجرتي (أي السفر بين لاشفريت والإيرميتاج) فقد رحت امزح حول الفائدة التي يسديها مريض لآخر. ولم تكن هي ذاتها، قيما بدا لي، جادة في اقتراحها، وإلى هنا انتهى الأمر" (٣٤).
وكان له مبررات وجيهة للزهد في مصاحبة المداد، فقد حالت دون ذلك آلامه وأوصابه، ثم كيف يستطيع أن يترك تريز؟ أضف إلى ذلك أن الشائعات أرجفت بأن مضيقته حبلى، من جريم على الأرجح، وصدق روسو القصة حيناً وهنأ نفسه على النجاة من موقف مثير للسخرية. ولكن المرأة المسكينة كانت صادقة، فهي تعاني من السل، ويبدو أنها كانت مخلصة في رغبتها في أن يرافقها روسو، ولم لا يبهجه أن يعود، على نفقتها، لزيارة المدينة التي كان يفخر كثيراً بأنه مواطن فيها؟ وكتب ديدرو، العالم بشعورها، إلى روسو يناشده أن يأخذ طلبها مأخذ الجد ويستجيب له، ولو لما في ذلك من بعض الرد على إحساناتها. وأجاب روسو بأسلوبه المعهود:
"أحس أن الرأي الذي تراه مصدره غيرك. وفضلاً عن عدم ميلي لأن أدع نفسي أساق على غير إرادتي تحت ستار اسمك من شخص ثالث أو رابع، فإنني ألاحظ في هذه النصيحة الثانوية نزعاً من الغدر لا يتفق وصراحتك، ويحسن بك أن تكف عنه مستقبلاً لأجلك ولأجلي" (٣٥).