جاء ليوناردو إلى فرنسا في الرابعة والستين من عمره، وهو مريض، وسكن مع رفيقه الوفي فرانتشيسكو ملدسي francesco Melzi، وهو شاب في الرابعة والعشرين، في بيت جميل في كلو Cloux بين بلدة أمبواز وقصر أمبواز على نهر اللوار، وكان وقتئذ مسكناً للملك يتردد عليه، وكان العقد الذي بينه وبين فرانسس الأول ينص على أنه ((مصور الملك. ومهندسه، الفني والمعماري، والمشرف على آلات الدولة، نظير مرتب سنوي قدره سبعمائة كرون (٨٧٥٠دولاراً أمريكياً). وكان فرانسس رجلا كريماً يقدر العبقرية حتى في عهد اضمحلالها. وكان يستمتع بحديث ليوناردو ((ويؤكد))، كما يقول تشييني ((إن العالم لم يشهد قط رجلا يعرف ما يعرفه ليوناردو؛ وليس ذلك في النحت، والتصوير، والعمارة فحسب، بل إنه فوق ذلك فيلسوف عظيم (١١٦))) وقد أدهشت رسوم ليوناردو التشريحية أطباء البلاط الفرنسي.
وضل وقتاً ما يكدح لكي يكسب مرتبة بعرق جبينه؛ فكان ينظم المواكب والحفلات التنكرية للاستعراضات الملكية، وعمل في مشروعات توصيل نهري الوار والساءون بقنوات، وتجفيف مستنقعات سالوني Salogne، (١١٧) ولعله قد اشترك في تخطيط أجزاء من قصر اللوار؛ وثمة شواهد تربط اسمه بجمال شامبور Chambord البارع (١١٨). وأكبر الظن أنه قلما كان يشتغل بالتصوير بعد عام ١٥١٧، فقد أصيب في ذلك العام بنوبة شلل عطلت جانبه الأيمن عن الحركة. نعم إنه كان يصور بيده اليسرى ولكن الصور التي تتطلب العناية الكبيرة كانت تحتاج إلى كلتا يديه.