فلنقف قليلاً عند هذا المجد المزعزع ونحاول أن ندرك أن الإمبراطوريّة كانت أعظم شأناً من مدينة روما؛ ذلك أننا قد أطلقنا الوقوف عند هذا المنظر الباهر الذي استحوذ على عقول المؤرخين كما خلب ألباب سكان الولايات، لكن الواقع الذي لا مناص من الاعتراف به أن حيوية الدولة العظيمة لم يعد مقرها في عاصمتها الفاسدة المحتضرة؛ بل إن ما بقي لهذه الدولة من قوة وحيوية، وكثيراً مما كان فيها من جمال، ومعظم ما كانت تحتويه من نشاط عقلي، إن هذا كله كان في الولايات وفي إيطاليا؛ ومن أجل هذا فلن نستطيع أن نكوّن لأنفسنا فكرة صحيحة عن روما، وعما قامت به من جلائل الأعمال في الإدارة والسلم، حتى نترك العاصمة نفسها ونطوف بالمدائن الألف التي كان يتكوّن منها العلم الروماني.
قال بلني الأكبر لما أن بدأ يصف إيطاليا:"ترى كيف أبدأ هذا العمل؟ ألا ما أكثر ما هنالك من بلدان! - ومنذا الذي يستطيع أن يحصيها كلها؟ وما أعظم شهرة كل بلد بمفرده! ". لقد كان حول روما وجنوبها إقليم