يخلط الفقر على الدوام بين الأساطير والطب لأن الأساطير حرة لا ثمن لها والعلم غال عزيز المنال. والصورة الأساسية لطب العصور الوسطى هي صورة الأم ومخزنها الصغير من وسائل العلاج المنزلية؛ والنساء العجائز غزيرات العلم بالأعشاب واللاصوق، والرقى السحرية؛ وجامعي حشائش التطبيب يطوفون بها على الناس، والعقاقير المجربة ذات الفائدة الأكيدة، والحبوب ذات القوة المعجزة؛ والقابلات المتأهبات على الدوام لفصل الحياة الجديدة عن القديمة في عملية الولادة المخزية السخيفة، والدجالين المتأهبين لمداواة الناس أو قتلهم نظير أتفه الأجور؛ والرهبان بما ورثوه من طب الأديرة؛ والراهبات يواسين المرضى في هدوء بما يقدمن لهم من خدمات أو دعوات صالحات؛ والأطباء المدربين في أماكن متفرقة يعالجون القادرين ويمارسون طبهم القائم على أسا علمي إلى حد ما. وانتشرت العقاقير الغريبة المروعة والصيغ السحرية العجيبة؛ وكما أن بعض الحجارة إذا أمسكت باليد كانت في رأي بعض الناس تمنع الحمل، كذلك كانت بعض النسوة وبعض الرجال - حتى في سلرنو مدينة الطب نفسها - يأكلون روث الحمير لتقوى قدرتهم على الإخصاب.
وظل بعض رجال الدين يمارسون الطب حتى عام ١١٣٩، وكل ما كان هناك من علاج في المستشفيات كان يوجد عادة في الملاجئ أديرة الرجال والنساء. وكان للرهبان فضل عظيم في حفظ التراث الطبي من الضياع، وهم الذين مهدوا السبيل لزراعة النباتات الطبية، وربما كانوا يعرفون ما يفعلون وهم يخلطون الطب بالمعجزات. وحتى الراهبات أنفسهن كن في بعض الأحيان يحذقن علاج