لم تكن بولندا قادرة على مقاومة روسيا وبروسيا والنمسا تلك القوى التي قسمتها مرات ثلاث (١٧٧٢ و ١٧٩٣ و ١٧٩٥ - ١٧٩٦) فيما بينها، وبهذا التقسيم لم تعد بولندا دولة لها وجود سياسي، لكنها استمرت كثقافة غنية أدباً وفنا وكشعب تواق للحرية. وكان كل البولنديين تقريبا من السلاف فيما عدا جيب ألماني في الغرب وقلة يهودية في وارسو وفي شرقي البلاد. وكان البولنديون كاثوليكياً متحمسين لأن هذه العقيدة (الكاثوليكية) كانت تواسيهم في أحزانهم وتعطيهم الأمل في الخلاص وتحفظ النظام الاجتماعي في ظل دولة محطمة، لذا فقد أدانوا الهرطقة واعتبروها خيانة (المقصود بالهرطقة هنا الخروج على الكاثوليكية) فكان نزوعهم الوطني غير متسم بالتسامح ولم يكن أحد من البولنديين - خلا الذين تلقوا قسطا وافرا من التعليم - بقادر على الشعور بالتآخي مع اليهود الذين تفوقوا في مضمار التجارة والمهن، أما اليهود الفقراء الذين يحملون سمات العزلة (الجيتو ghetto) وبؤسها فكان التعاطف معهم أقل بكثير.
وقد تعجب المسيحيون واليهود البولنديون للإهانة التي ألحقها نابليون بالنمسا وروسيا في أوسترليتز Austerlitz وزاد عجبهم وإعجابهم بانتصاراته على البروسيين في يينا Jena وأورشتدت Auerstedt، والآن (١٨٠٦) فإن (نابليون) متمركز في برلين يصدر الأوامر لنصف أوربا. لقد طارد نابليون مغتصبي بولندا، وكان في طريقه لمحاربة روسيا. فإذا لم يعلن في طريقه إلى روسيا أن بولندا دولة حرة فإنه على الأقل سيقيم عليها ملكا ويمنحها دستورا ويعدها بالحماية. والزعماء البولنديون إليه فردهم بأدب مؤكدا لهم أنه سيساعدهم الآن بقدر طاقته، لكن تحرير بولندا متوقف على نتيجة مواجهة التالية مع الروس.
وحذر كوزكيو سكو Kosciusko أكثر الزعماء البولنديين تحفظا أهل بولندا من تعليق الآمال على نابليون. فهو - أي نابليون - لا يفكر إلا في نفسه، وهو يكره كل أمة عظيمة، وهو طاغية ولا هم له إلا إرضاء طموحه وعندما أرسل نابليون ليسأل كوزكيو سكو عن طلباته أجاب: حكومة كحكومة إنجلترا وإلغاء القنانة (عبودية الأرض)، وأن تحكم بولندا من داترج (دانتسج) إلى المجر، من ريجا Riga إلى أوديسا Odessa.