إن المؤرخ الذي يريد أن يرسم صورة صادقة لدومتيان ليجد في ذلك صعوبة لا تعادلها صعوبة رسم صورة لنيرون نفسه. ذلك أن أهم المصادر التي نستمد منها معلوماتنا عن حكمه مصدران هما تاستس وبلني Pliny الأصغر، وكلاهما ممن علا نجمهم في عهده، ولكنهما كانا من حزب الشيوخ الذين كانت بينهم وبينه حرب عوان يريد فيها كلا الطرفين أن يضرب الضربة القاضية. ولدينا في مقابل هذين المؤرخين المعاديين له شاعران هما استاتيوس Statius، ومارتيال Martial اللذين كانا ينالان رفده أو يسعيان لنيله، واللذين شادا بذكره ورفعاه إلى عنان السماء. ولعلهم هم الأربعة كانوا على حق فيما قالوه عنه، لأن دومتيان آخر الفلافيين بدأ حياته كالملائكة وختمها كالشياطين، وكان شأنه في هذا شأن كثيرين من اليوليوسيين-الكلوديين. وقد سايرت روح دومتيان جسمه في هذا التطور: فقد كان في شبابه متواضعاً، رشيقاً، لطيفاً، وسيماً، طويلاً؛ ثم صار فيما بعد "بطيناً، رفيع الساقين، أصلع الرأس"-وإن كان قد ألف كتاباً "في العناية بالشعر"(١٠٣). وكان في كهولته يقرض الشعر أما في شيخوخته فلم يكن يثق بثره، وكان يعهد إلى غيره كتابة خطبه وتصريحاته. ولو لم يكن تيتس أخاه لأمكن أن يكون أسعد مما كان؛ ولكن أنبل الناس وحدهم هم الذين يغتبطون بنجاح أصدقائهم. أما دومتيان فقد استحالت غيرته من أخيه في أول الأمر نكداً صامتاً ثم مكائد تدبر سراً لإسقاطه. واضطر تاستس أن يرجو أباه أن يصفح عن أخيه الأصغر. ولما مات فسبازيان، أدعى دومتيان أن أباه قد أوصى بأن يكون شريكاً في