المحاكمة التي اتصلت ثلاث سنين أشهر القضايا في تاريخ العهد. وكافحت مدام دسفينيه، ولافونتين، وغيرهما من أصدقاء فوكيه، وتوسلوا إلى الملك ليبرئ ساحته، غير أن الأوراق التي عثر عليها في قصره الريفي أدانته. فحكمت عليه المحكمة بالنفي ومصادرة أملاكه، وعدل الملك الحكم إلى السجن مدى الحياة. وظل الوزير الذي كان من قبل رجلاً مرحاً، ستة عشر عاماً، يذوي في سجنه بقلعة بنيرول بييدمونت، ولا يسري عنه إلا صحبة زوجه الوفية. لقد كان حكماً قاسياً، ولكنه قلم أظافر الفساد السياسي، وأنذر الناس بأن الاستيلاء على الأموال العامة للمتعة الخاصة امتياز لا يختص به غير الملك.
[٤ - كولبير يعيد بناء فرنسا]
كتب لويس يقول:"لقد أشركت كولبير … مفتشاً مع فوكيه لكي أرقبه … وهو رجل منحته ما استطعت من ثقة، لأنني كنت عليماً بذكائه وجده وأمانته (٥٠) " وظن أصحاب فوكيه أن كولبير تعقبه مدفوعاً بالرغبة في الانتقام منه، ولعل كولبير استشعر شيئاً من الحسد للرجل، ولكن فرنسا ذلك العهد لم تنجب ضريباً لكولبير في تفانيه الدؤوب في خدمة الصالح العام. روى أن مازاران قال للملك وهو على فراش الموت "مولاي، إني مدين لك بكل شيء، ولكني أدفع ديني … بإعطائك كولبير (٥١) ".
كان جان باتيست كولبير ابن قماش في رامس، وابن أخي تاجر غني، وإذ كان بورجوازياً بدمه، اقتصادياً بمحيطه، فقد درب على كراهية الفوضى والعجز، وأعد بفطرته وبطول المرانة لتغيير اقتصاد فرنسا من جمود الفلاحة والتفتت الإقطاعي إلى نظام موحد قومياً، يشتمل الزراعة والصناعة والتجارة والمال، يواكب ملكية ممركزة، ويهيئ لها الأساس المادي لعظمتها وسطوتها.