دخل كولبير ديوان الحربية سكرتيراً صغيراً في العشرين (١٦٣٩) وما لبث أن شق طريقه بجهده إلى حيث استرعى نظر رؤسائه، فنقل إلى خدمة مازاران، وأصبح المدير الناجح لثروة الكردينال. فلما سقط فوكيه، وكل إلى كولبير مهمة خطيرة هي إعادة تنظيم مالية الأمة. وفي ١٦٦٤ أضيفت إليه مهمة الإشراف على المباني، والمصانع الملكية، والتجارة، والفنون الجميلة؛ وفي ١٦٦٥ عين مراقباً عاماً للمالية، وفي ١٦٦٩ عين وزيراً للبحرية، ثم وزيراً للخاصة الملكية. ولم يرق رجل آخر في عهد لويس الرابع عشر بمثل هذه السرعة، ولا اشتغل بمثل هذه الهمة، ولا حقق مثل ما حققه من أعمال. بيد أنه لوث أرتقاع بمحاباته أقرباءه، وإذ أغدق الوظائف والأموال على الكثيرين من آل كولبير، وغالى في مكافأة نفسه مكافأة كادت تعدل ثروته. وكان نهباً للغرور، يتشبث بانحداره المزعوم من ملوك اسكتلندا، وقد يعبث عبثاً منكراً بالقوانين القائمة تعجلاً لقضاء المصالح، ويتغلب على المعارضة بالرشا يبذلها في الجهات العليا. فلما استفحل سلطانه غدا مستبداً، وأحفظ عليه النبلاء إذ داس على أقدام تنزف الدم الأزرق. وقد استخدم في إعادة تشكيل الاقتصاد الفرنسي نفس الأساليب الدكتاتورية التي استخدمها ريشليو من قبل في إعادة تشكيل الدولة الفرنسية. وهكذا لم يكن خيراً من هؤلاء الكرادلة.
بدأ بفحص أساليب الماليين الذين يحبون الضرائب، ويزودون الجيش بالسلاح، والملابس، والطعام، ويقدمون القروض للإقطاعيين أو لخزانة الدولة. وكان بعض هؤلاء المصرفيين يعدلون الملك ثراء. فبلغت ثروة صموئيل برنار مثلاً ٣٣. ٠٠٠. ٠٠٠ جنيه (٥٢). وقد أثار الكثيرون منهم حنق النبلاء بالزواج من طبقتهم، وبشراء ألقاب الشرف أو اكتسابها، وبالعيش في ترف لا يقوى عليه من لا يملكون غير عراقة النسب. وكانوا يتقاضون فائدة على قروضهم تصل إلى ١٨% حسب درجة الشك في الوفاء بالقروض. وبناء على طلب كولبير شكل الملك "غرفة عدالة" للتحقيق