كان يفكر في الفن اليوناني وكأنه الفن اليوناني الروماني كما وجده في المتاحف والمجموعات والقصور في ألمانيا وإيطاليا، وفي إطلال هركو لانيوم وبوميي. وتفضيله النحت على التصوير، وتمثيل الأنماط لا الأفراد، والهدوء لا التعبير عن العاطفة، وإيثاره النسبة والتناسق، ومحاكاة القدامى دون الابتكار والتجريب. كل هذا فرض على الدوافع الخلاقة في الفن عدة قيود أسفرت عن الانتقاص الرومانتيكي على ما في الأشكال الكلاسيكية من الصرامة الباردة. وقد أعماه التركيز على اليونان والرومان عن حقوق الطرز الأخرى وإمكاناتها، وكان يرى-كما رأى لويس الرابع عشر-إن رسوم الحياة اليومية التي أنتجتها الأراضي الواطئة ليست إلا من قبيل "الجروتسك".
ومع ذلك كان إنجازه رائعاً. فقد أحدث انتفاضة في كل دنيا الفن والأدب والتاريخ الأوربي بتمجيده لليونان. ولقد جاوز حدود النزعة الشبيهة بالكلاسيكية التي نزعت إليها إيطاليا النهضة وفرنسا لويس الرابع عشر إلى الفن الكلاسيكي ذاته. ونبه العقل الحديث إلى ما في النحت اليوناني من كمال ناصع مطمأن. وجعل من فوضى مئات التحف الرخامية والبرونزية والصور والمجوهرات والعملات آثار علمية. وكان تأثيره على أفضل العقول في الجيل التالي هائلاً. فقد ألهم لسبخ، ولو بالاعتراض على آراءه، وشارك في إنضاج هيردر وجوته، ولعله لولا الإلهام الذي انبعث من فنكلمان لما توج بيرون شعره بالموت في بلاد اليونان. وقد أعان هذا الهلنستي الغيور على تشكيل مبادئ منجز ونورفالدسن الكلاسيكية الحديثة، وتصوير جاك-لوي دافيد الكلاسيكي الحديث. يقول هيجل "يجب أن يعد فنكلمان واحداً من أولئك الذين عرفوا في ميدان الفن كيف يخلقون أداة جديدة للروح الإنسانية"(٧٠).
[٦ - الفنانون]
لم تكن إيطاليا في حاجة إلى حث يأتيها من فنكلمان، لأنها كانت تكرم أربابها، وكان فنها المتراكم يقوم في كل جيل بمهمة المدرسة التي تدرب مئات الفنانين من أقطار كثيرة. من ذلك أن كارلو ماركيوني صمم فيلا