نعود بالقارئ إلى الموقف في إيطاليا في عام ١٤٩٤. لقد نشأت قبل ذلك العام دول المدن بفضل قيام طبقة وسطى من السكان أثرت من اشتغالها بأعمال التجارة والصناعة التي اتسع نطاقها. وكانت هذه المدن قد فقدت استقلالها الذاتي وحريتها لعجز حكوماتها شبه الديمقراطية عن حفظ النظام بسبب التقاتل بين الأسر والنزاع بين الطبقات. وبقيت اقتصادياتها محلية في تكوينها حتى في الوقت الذي وصلت فيه أساطيلها وغلاتها إلى الثغور النائية. وكان بعضها ينافس البعض الآخر أشد مما ينافس الدول الأجنبية، ولم تضم في يوم ما صفوفها لتقاوم مجتمعة توسع الفرنسيين، والألمان، والأسبان التجاري في الأقاليم التي كانت تسيطر عليها المدن الإيطالية من قبل. ومع أن إيطاليا هي التي أنجبت الرجل الذي أعاد كشف أمريكا، فإن أسبانيا هي التي أمدته بالمال؛ واقتفت التجارة خطاه، وصحب الذهب عودته، وازدهرت الأمم الواقعة على شاطئ المحيط الأطلنطي، ولم يعد البحر المتوسط الموطن المحبب لحياة الرجل الأبيض الاقتصادية، وأخذت البرتغال تسير السفن إلى