المستقلة؛ فلم نعد نرى إلا أفراداً بعد أن كنا نرى مواطنين. ووجد أولئك الأفراد أنفسهم محرومين من الاشتراك في حكم بلادهم، وبأيديهم ثروة ضخمة، فاتجهوا إلى طلب اللذات، حتى إذا داهمهم الغزو الأجنبي وجدهم، في أحضان العاهرات. وقد ظلت دول المدن قرنين من الزمان توجه قواتها، وحذقها، ودهائها، وغدرها، بعضها نحو بعض، حتى أصبح مستحيلا عليها، أن تضم شملها للوقوف أمام عدو لها مشترك. ولما أخفق الوعاظ أمثال سفنرولا في كل ما لجئوا إليه من وسائل لإصلاح الحال، أخذوا يدعون الله ليصب جام غضبه على إيطاليا، وتنبئوا بان روما سيحيق بها الخراب، وأن الكنيسة ستحطم وتتبدد (١١٥). وملت فرنسا، وأسبانيا، وألمانيا إرسال الخراج لسد نفقات الحروب التي تشنها الولايات البابوية، ولتمكين الإيطاليين من أن يحيوا حياتهم المترفة، وأخذوا ينظرون بعين الدهشة والحسد إلى شبه الجزيرة التي فقدت إرادتها وجردت من سلطانها، والتي تستهوي القلوب بجمالها وثرائها. وتجمعت الطيور الجارحة وأخذت تحلق في سماء إيطاليا توشك أن تنقض عليها لتشبع منها نهمها.