أن الفنان لابد أن يدفع ثمناً لرمزه لعصر ما، فشهرته تضمحل بزوال رغبات العصر المشبوبة، ولا سبيل إلى عودة هذه الشهرة إلا إذا رفع قدره عاطف البعد، أو رد تحول في التيار موضة قديمة إلى الذوق الحاضر. وقد زكا فراجونار لأن فنه العاري أو الكاسي أبهج زمانه، بتلطيفه وتزيينه للانحلال، ولكن الناموس الصارم الذي خضعت له ثورة تقاتل في سبيل الحياة سائر أقطار أوربا، كان في حاجة إلى أرباب غير فينون تلهمه، فوجدها في أبطال روما الجمهورية، الشديدي المراس. لقد انتهى عصر المرأة وعاد حكم المقاتل؛ وأقبل جيل جديد من الفنانين على النماذج اليونانية-الرومانية، التي أعاد تأليبها فنكلمان، واكتسح الطراز الكلاسيكي الجديد الباروك والروكوك في موجة عارمة من الأشكال القديمة.
[٦ - الصالونات الكبرى]
أ- مدام جوفران
لقد دالت دولة المرأة، ولكن بعد أن بلغت الصالونات ذروتها. وبلغت تلك المؤسسة الفذة أوجها بمدام جوفران، وانحسرت في حمى من الرومانسية بمدموازيل دليسييناس. وستنتعش بعد الثورة بالسيدتين دستال وربكامييه، ولكنها لن تدرك أبداً فتنة وخصوبة تلك الفترة التي كان يلتقي فيها مشاهير الساسة في أيام السبت بصالوات مدام دوديفا، والفنانون في أيام الاثنين والفلاسفة والشعراء أيام الأربعاء بصالون مدام جوفران، والفلاسفة والعلماء أيام الثلاثاء بصالون مدام هلفتيوس، وأيام الأحد والخميس بصالون البارون دولباخ، وفحول الأدب وأقطاب السياسة أيام الثلاثاء بصالون مدام نكير، وقد يلتقي أي منهم في أي ليلة بصالون جولي دليسييناس. وإلى هذه الصالونات كان هناك الكثير من الصالونات الصغرى: كصالونات السيدات دلكسمبورج ودلافاليير، ودفور كالكييه ودتالمون، ودبرولي، ودبوسي، ودكروسول ودشوازيل، ودكامبيس ودميربوا ودبوفوا، دانفيل، وديجون، ودودتو ودماشيه، ودوبان، وديبينيه.
ولم يكن الجمال هو الذي زين ربات الصالونات هؤلاء، فقد كان جلهن