لقد أخطأ بولبيوس إذ ظن أن المسائل الأخلاقية قد فقدت إغراءها للعقل اليوناني، وإن كان قد وصف للأجيال التالية الكثيرة صاحب النظريات الذي يضيع حياته في دياجير البحث النظري المعقد. ودليلنا على خطئه في هذا الظن أن النغمة الأخلاقية نفسها هي التي حلت في ذلك العهد محل النغمتين الفيزيقية والميتافيزيقية فكانت النغمة السائدة في الفلسفة. والحق أن المشاكل السياسية قد خمدت نارها لأن حرية الكلام قد قضى عليها وجود الحاميات الملكية في البلاد أو ذكرى وجودها، وفهم الناس ضمناً أن الحرية القومية إنما تقوم على الهدوء والاستقرار. يضاف إلى هذا أن مجد الدولة الأثينية كان قد انقضى عهده، وأن الفلسفة كان عليها أن تواجه تلك القطعية التي لم يكن لبلاد اليونان عهد بها من قبل ونعني بها القطعية بين السياسة الأخلاق. وكان عليها أن تجد أسلوباً للحياة يجمع بين رضاء الفلاسفة وعدم التعارض مع العجز السياسي. ولذلك لم تفهم المشكلة التي تواجهها على أنها لم تعد مشكلة بناء دولة عادلة، بل فهمتها على أنها تكوين الفرد الراضي القانع المنطوي على نفسهِ.
وقد سار التطور الأخلاقي وقتئذ في اتجاهين متضادين؛ فسلك أحدهما السبيل التي يتزعمها هرقليطس، وسقراط، وأنستانس، وديجين، ووسع نطاق الفلسفة الكليية التي أضحت هي الفلسفة الرواقية. وتفرع الطريق الآخر من دمتريطس ومال ميلاً شديداً نحو أرستبوس واجتذب العقيدة القورينية إلى العقيدة الأبيقورية. وجاءت النزعتان من آسية وكانت كلتاهما تعويضاً فلسفياً عن التدهور الديني والسياسي الذي حل في ذلك الوقت. فاشتقت الرواقية من العقيدة السامَّية عقيدة وحدة الوجود، والجبرية، والاستسلام