للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب السادس عشر

[النزاع بين الفلسفة والدين]

الفصل الأوّل

[المثاليون]

كان عصر بركليز شبيهاً بعصرنا هذا في تنوع أفكاره واضطرابها، وفي تحديه لجميع المعايير والعقائد التقليدية القديمة، ولكن ما من عصر من العصور يضارع عصر بركليز في كثرة آرائه الفلسفية وعظمتها أو في غزارتها وفي القوة التي كانت تناقش بها. فقد كانت كل المسائل التي يضطرب بها العالم اليوم تدور على ألسنة الناس في أثينة القديمة، يناقشها الناس بحرارة وحماسة روعت جميع اليونان ما عدا شبابهم. وقد حرمت كثير من المدن - وخاصة إسبارطة - أن يبحث الجمهور المسائل الفلسفية بسبب ما كانت تثيره من "حقد، ونزاع، وجدل عقيم" على حد قول أثنيوس. ولكن "بهجة" الفلسفة "العزيزة" كانت تستحوذ على خيال الطبقات المتعلمة في أثينة، فكان أغنياء المدينة يفتحون أبواب بيوتهم وأبهائهم للباحثين كما كان يحدث في عهد الاستنارة في فرنسا، وكانت الولائم تولم للفلاسفة، والبحوث الطريفة يصفق لها كما يصفق للضربات القوية في الألعاب الأولمبية.

ولما أن أضيفت حرب السيوف إلى حرب الألفاظ في عام ٤٣٢، استحال هياج العقول الأثينية إلى حمى احترق فيها كل ما كانت تتصف به تلك العقول من اعتدال وحكمة. وخبت نار هذه الحمى بعض الوقت بعد استشهاد سقراط