على أحسن تقدير محاولة التحكم في زمام تلك الشهوات؛ ولكن هذه المحاولة نفسها تدنو من شهوة أخرى هي رغبة إيقاع الأذى، مما يجعل الزاهد يكاد ينتشي من الغبطة كلما أنزل بنفسه الألم؛ ولقد كان البراهمة من الحكمة بحيث حرموا على أنفسهم مثل هذه الرياضات، ووعظوا أتباعهم بأن ينشدوا القداسة في أداء الواجبات المألوفة في شؤون الحياة، أداءً يرضي ضمائرهم (١١٠).
[٥ - بيرفا- ميمانسا]
انتقالنا من "اليوجا" إلى "بيرفا- ميمانسا" هو انتقال من أشهر المذاهب الستة للفلسفة البرهمية إلى أقلها شهرة وأهمية؛ وكما أن "اليوجا" أدخلت في السحر والتصوف منها في الفلسفة، فكذلك هذا المذهب أقرب إلى الدين منه إلى الفلسفة، بل هو بمثابة رد الفعل من جانب المتمسكين بأصل الدين لينهضوا به مذاهب الزندقة التي قال بها الفلاسفة؛ فصاحب هذا المذهب، وهو "جيميني" يحتج على "كابيلا" و"كانادا" في إنكارهما لحجة الفيدات، مع اعترافهما بهذه الكتب المقدسة، ويقول "جيميني" إن العقل الإنساني أضعف من أن يحل مشكلات الميتافيزيقا واللاهوت فالعقل مستهتر يقدم نفسه لخدمة الأهواء كائنة ما كانت فهولا يعطينا "علماً" و"حقيقة" بل يكتفي بصبغ ميولنا الحسية وزهونا بصبغة المنطق؛ إن الطريق إلى الحكمة والسلام لا يمتد في المنطق والتواءاته الفارغة، بل تراه في التسليم المتواضع بما جاء عن طريق الوحي ونقله الخلف عن السلف، وفي الأداء المتواضع للشعائر كما فصّلتها الكتب المقدسة، وهذه وجهة من النظر لا تعدم وجهاً للدفاع.