الخرافات أكثر مما كان لديه من الدين، وقد اتهمه بلاجيوس بأنه كان يخدع الكنيسة فلا يؤدي إليها عشورها، ويهمل في مراعاة أيامها المقدسة وأيام صومها؛ ويشكو جوتييه ده كوانسي Gautier de Coincy) في القرن الثالث عشر (من أن رقيق الأرض "ليس له في قلبه من خشية الله أكثر ما في قلب الشاة ولا يأبه مطلقاً بقوانين الكنيسة المقدسة"(٣٠). وكانت له لحظات فكاهته الثقيلة السمجة، ولكنه كان في حقله وفي بيته قليل الكلام، صريح الألفاظ، رزيناً، يشغله كدحه المتواصل وأعماله الكثيرة عن أن يضيع جهوده في الكلام أو الأحلام. وكان رغم خرافاته واقعي النزعة، يدرك تصاريف الأقدار التي لا هوادة فيها ولا رحمة، ويوقن أن الموت آت لا ريب فيه، فقد كان جدب فصل من فصول العام يهلكه هو وحيواناته جوعاً. وقد حدث بين عامي ٩٧٠ و ١١٠٠ سنون قحطاً حصدت الأهلين زرافات في فرنسا، ولم يكن في وسع أي فلاح بريطاني أن ينسى ما حدث من القحط في عامي ١٠٨٦ و ١١٢٥ في إنجلترا المرحة الطروب؛ وقد روع أسقف ترييه في القرن الثاني عشر حين رأى الفلاحين يذبحون جواده ويأكلون لحمه (٣١). ثم زاد الفيضان والوباء والزلزال الطين بلة وأحالت المسلاة آخر الأمر مأساة.
[٣ - مجتمع القرية]
وكان جماعة من الفلاحين يتراوح عددهم بين خمسة وخمسمائة يتألفون من أرقاء الأرض، ونصف الأحرار، والأحرار، يبنون قريتهم حول قصر السيد الإقطاعي في الريف. ولم تكن بيوتهم منعزلة بعضها عن بعض بل كانت متجاورة داخل أسوار القرية لأن في قربها أماناً لهم. وكانت القرية عادة جزءاً من ضيعة واحدة أو أكثر من ضيعة، وكان السيد المالك هو الذي يعين الكثرة الغالبة من موظفيها، ولم يكونوا يسألون إلا أمامه وحده، ولكن الفلاحين كانوا يختارون لهم عمدة