وأفراد الأسرة. وكان حول هذا كله أدوات الزرع والصناعات المنزلية، وكان قط يحرس البيت من الفئران وكلب يشرف على هذا كله.
وكان الفلاح يرتدي قميصاً نصفياً من القماش أو جلد الحيوان، وسترة من الجلد أو الصوف، ومنطقة وسروالاً، وحذاءً نصفياً أو عالياً، وما من شك في أنه كان يبدو بملابسه هذه شخصاً قوياً لا يختلف كثيراً عن فلاح فرنسا في هذه الأيام. وليس من حقنا أن نصوره في صورة الشخص المظلوم المغلوب على أمره، بل علينا أن نتمثله بطلاً يفلح الأرض، قوياً صبوراً، تحفظ عليه كيانه كما يحفظ كيان كل إنسان غيره عزة كامنة مهما كانت بعيدة عن العقل والمنطق. ولم تكن زوجته أقل منه كدحاً من مطلع الفجر إلى مغيب الشمس، وكانت إلى هذا تنجب له الأبناء، وإذ كان هؤلاء الأبناء قيمة اقتصادية في المزرعة فقد كانت تكثر منهن؛ لكننا مع هذا نقرأ في أقوال بلاجيوس الفرنسيسي (حوالي ١٣٣٠) أن بعض الفلاحين "كثيراً ما كانوا يمتنعون عن مباشرة أزواجهم كيلا يلدن أبناء محتجين بأنهم يخشون لفقرهم أن يعجزوا عن تربيتهم إذا كثروا"(٢٨).
وكان طعام الفلاح كافياً مغذياً-يتألف من منتجات اللبن، والبيض، والخضر واللحم: وإن كان بعض المؤرخين المتظرفين يرثون له لأنه كان يضطر إلى أكل الخبز الأسود-أي المصنوع من الدقيق غير المنخول (٢٩). وكان يشترك في حياة القرية الاجتماعية، ولكنه لم تكن له متع ثقافية؛ فلم يكن يعرف القراءة، لأنه في وجود رقيق الأرض التي يعرفها إساءة إلى سيده الأمي. وكان يجهل كل شيء عدا الزرع، وحتى هذا لم يكن بارعاً فيه. وكانت طباعه خشنة شديدة، ولعله كان فظاً غليظ القلب. وقد اضطرته أحوال أوربا المضطربة أن يعيش عيشة الحيوان الطيب، وفي الحق أنه استطاع أن يعيش على هذا النحو. فقد كان لفقره شرهاً، ولخوفه قاسياً، وللكبت الواقع عليه عنيفاً، وكان جلفاً لأنه يعامل معاملة الأجلاف. وكان هو عماد الكنيسة، ولكنه كان لديه من