لقد انقضى منذ بداية التاريخ المكتوب حتى الآن ما لا يقل عن ستة آلاف عام، وفي خلال نصف هذا العهد كان الشرق الأدنى مركز الشئون البشرية التي وصل إلينا علمها. وإذا ذكرنا هذا اللفظ المبهم لهذا الكتاب فإنا نقصد به جميع بلاد آسية الجنوبية الغربية الممتدة جنوب الروسيا والبحر الأسود، وغرب الهند وأفغانستان. وسنطلق هذا الاسم أيضا- وإن خرجنا في هذا على مقتضيات الدقة أكثر من ذي قبل- على مصر، لأن هذه البلاد كانت شديدة الاتصال بذلك الجزء من العالم كما كانت مركزا انتشرت منه الحضارة الشرقية. على هذا المسرح غير الدقيق التحديد الآهل بالسكان وبالثقافات المتباينة نشأت الزراعة والتجارة، والخيل المستأنسة والمركبات، وسكت النقود، وكتبت خطابات الاعتماد، ونشأت الحرف والصناعات، والشرائع والحكومات، وعلوم الرياضة والطب، والحقن الشرجية، وطرق صرف المياه، والهندسة والفلك، والتقويم والساعات، وصورت دائرة البروج، وعرفت الحروف الهجائية والكتابة، واخترع الورق والحبر، وألفت الكتب وشيدت المكتبات والمدارس، ونشأت الآداب والموسيقى والنحت وهندسة البناء، وصنع الخزف المطلي المصقول والأثاث الدقيق الجميل، ونشأت عقيدة التوحيد ووحدة الزواج، واستخدمت دهان التجميل والحلي، وعرف النرد والداما، وفرضت ضريبة الدخل، واستخدمت المرضعات وشربت الخمور- عرفت هذه الأشياء كلها واستمدت منها أوربا وأمريكا
(١) ويكتبها بعض المؤرخين السومر والبعض الآخر شومر (المترجم)