للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الخامِس

[الخرافات]

وكان بين قطبي الدين اليوناني العلوي والسفلي، الأولمبي والأرضي، بحر يزخر بالسحر والخرافات، والأباطيل؛ وكان من وراء العباقرة الذين سنشيد بذكرهم فيما يلي من صحائف هذا الكتاب، كما كان من ورائهم، جمهرة الشعب من الفقراء والسذج الذين لم يكن الدين في نظرهم إلا شراكاً من الخوف لا سلماً للآمال؛ ولم يكن اليوناني العادي يكتفي بتصديق القصص التي تروي المعجزات كصعود منسيوس من بين الموتى ليحارب في مرثون، أو تحويل الماء إلى خمر على يد ديونيسس، ذلك أن أمثال هاتين القصتين تظهر عند جميع الشعوب، وهي جزء من الشعر المباح الذي ينير به الخيال دياجير الحياة العادية. بل إن في وسع الإنسان أن يذهب إلى أبعد من هذا فيتغاضى عن حرص أثينة على أن تأوي فيها عظام ثسيوس، وحرص إسبارطة على أن تسترد من تيجيا Tegeo عظام أرستيز Orestes، فقد يكون ما يعزوه الحكام لهذه الآثار من قدرة على فعل المعجزات جزءاً من فن الحكم وأساليبه. أما الذي كان ينيخ بكلكله على اليوناني الصالح فهو الأرواح المحتشدة من حوله التي يُعتقد أنها متأهبة على الدوام لأن تعرف مخبآتها، وأن تتدخل في شؤونه وتلحق به الأذى، وأن في مقدورها أن تفعل به هذا كله. وكانت هذه الشياطين لا تنفك تعمل لأن تتقمصه، وكان عليه أن يحذرها ويتقي أذاها على الدوام، وأن يقيم الاحتفالات السحرية ليطردها بها.

وأوشكت هذه الخرافات أن تكون علماً من العلوم الطبيعية، وكانت إلى حد ما سوابق لنظرية الجراثيم التي نعرفها اليوم. فقد كان معنى الأمراض جميعها عند اليوناني أن المريض قد حل فيه روح غريب، وأن من يلمس الشخص