على أن التصوير بقى رغم هذا التفوق غريباً على العبقرية اليونانية التي كانت تحب الشكل أكثر مما تحب اللون، والتي جعلت تصوير العصر الذهبي (إذا حكمنا عليه بأقوال الناس فيه) دراسة في الجماد للخطوط والتصميم لا إدراكاً حسياً لألوان الحياة. أما ما كان يولع به الرجل اليوناني ويسر منه فهو منتجات النحت، ولذلك كان يملأ بيته، وهياكله، وقبوره، بتماثيل صغيرة من الطين المحروق، ويعبد آلهته بتصويرها في الحجارة، ويقيم على قبور موتاه ألواحاً منقوشة تعد من أكثر منتجات الفن اليوناني وأوقعها في النفس. وكان العمال الذين ينقشون هذه الألواح من الصناع غير ذوي الحذق، ينقشون ما حفظوه عن ظهر قلب، ويكررون ألف مرة الموضوع المألوف، موضوع فراق الأحياء للأموات فراقاً هادئاً وأيدي الأحياء مقبوضة. غير أننا يجدر بنا أن نذكر أن في هذا الموضوع من النبل ما يحتمل التكرار. لأنه يظهر ما اتصف به خلائق العصر الذهبي من ضبط للنفس في أحسن صوره، ويعلم النفس المرهفة الحس أن الشعور يبلغ أقصى قوته حين يعبر عن نفسه بصوت هادئ منخفض. وتظهر هذه الألواح الموتى، أكثر ما تظهرهم، يعملون عملاً من أعمال الحياة الدنيا - كطفل يلعب بالطوق، وبنت تحمل إبريقاً، ومحارب يعجب بعدته الحربية، وفتاة تفخر بحليها، وغلام يقرأ كتابه وكلبه راقد تحت مقعده