للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل التاسع

[غارة المغول]

١٢١٩ - ١٢٥٨

وهنا يثبت التاريخ مرة أخرى الحقيقة القائلة إن نعم الحضارة تغري الهمج بالهجوم على البلاد المتحضرة (١). وكان السلاجقة قد بعثوا في بلاد الإسلام الشرقية قوة جديدة، لكنهم هم أيضاً ركنوا إلى الدعة والنعيم، وتركوا دولة ملك شاه تنقسم مملكتين ذواتي حضارة رائعة ولكنهما ضعيفتان من الناحية العسكرية. وكان التعصب الديني والعداء العنصري قد قسما الشعب أقساماً شديدة الغضب والتنازع وحالا بينه وبين الاتحاد لمقاومة الصليبيين.

وفي هذه الأثناء كان المغول الضاربون في شمالي آسية الغربي يزداد عددهم لقوة إخصابهم، ويشتد بأسهم لما يلاقون من شظف العيش وصعابه. وكانوا يعيشون في الخيام أو في العراء، ويرحلون وراء قطعانهم إلى مراعٍ جديدة، ويرتدون جلود الماشية، ويدرسون فنون الحرب دراسة المتحمس لها الراغب فيها. وكان أولئك الهون الجدد، كما كان بنو جنسهم منذ ثمانية قرون، بارعين في استعمال الخناجر، والسيوف، والسهام يطلقونها من فوق جيادهم التي تسابق الريح. وإذا جاز لنا أن نصدق ما يقوله فيهم جيوفني دي بيانو كريبيني Giovanni de Piano Carpini المبشر المسيحي، فإن هؤلاء الأقوام كانوا "يأكلون كل ما يستطيعون أكله حتى القمل نفسه" (١١٦)، ولم يكونوا يشمئزون من أكل الفئران، والقطط، والكلاب، ودم الآدميين، اشمئزاز أعظم الناس ثقافة في هذه الأيام من أكل ثعابين الماء والقواقع البحرية. ونظم جنكيز خان-أي الملك


(١) أنظر مقدمة ابن خلدون في هذا المعنى. (المترجم)