تقدمت الصناعة بنفس الخط التي اتسع بها التجارة؛ ذلك أن اتساع الأسواق زاد الإنتاج، وزيادة الإنتاج أنعشت التجارة.
غير أن وسائل النقل كانت أقل العوامل تقدماً، فقد كانت معظم الطرق الرئيسية في العصور الوسطى مليئة بالأتربة، والأقذار، والأوحال، ولم تكن هناك قنوات أو برابخ تنقل الماء من الطرق، ولهذا كثرت فيها الحفر والبرك؛ وكانت المخاضات كثيرة والقناطر قليلة. وكانت الأحمال تنقل على ظهور البغال أو الخيل ولا تنقل في العربات لأن العربات يصعب عليها تجنب الحفر كما تتجنبها دواب الحمل. وكانت عربات الركوب كبيرة سمجة عجلاتها ذات إطار من حديد غير ذات مرونة (١٥)؛ ولهذا كانت هذه العربات غير مريحة مهما تكن زينتها، ومن أجل ذلك فإن الناس رجالاً كانوا أو نساء كانوا يفضلون ركوب الخيل منفرجة سيقانهم ذكوراً وإناثاً على الجانبين. وقد ظلت العناية بالطرق حتى القرن الثاني عشر موكولة إلى أصحاب الأملاك المجاورة لها، ولم يكن هؤلاء الملاك يدركون كيف يطلب إليهم أن ينفقوا المال على إصلاح الطرق التي ينتفع المارون بها أكثر مما ينتفع بها سواهم. وحذا فردريك الثاني في القرن الثالث عشر حذو المسلمين والبيزنطيين فأمر بإصلاح طرق صقلية وجنوبي إيطاليا، وأنشئت في هذا الوقت عينه أولى "الطرق الكبرى الملكية" بتثبيت مكعبات حجرية في الثرى المفكك أو الرمال، وشرعت في هذا القرن نفسه ترصف شوارعها الرئيسية، وأنشأت مدائن فلورنس، وباريس، ولندن، والمدن الفلمنكية قناطر غاية في الجودة، كذلك نظمت الكنيسة في القرن الثاني عشر هيئات أخوية دينية لإصلاح