للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - نابليون الشاب من ١٧٦٩ إلى ١٧٩٥ م

قال اللورد أكتون Acton: " لا يمكن أن تكون هناك تدريبات عقلية يمكن أن تكون أكثر فعالية ونشاطا من ملاحظة كيف يعمل عقل نابليون المعروف تماما بأنه أقدر رجل في تاريخ البشرية لكن من الآن يمكن أن يشعر أنه عرف بصدق وبشكل كامل رجلا قدمه لنا مئات المؤرخين المثقفين كبطل ناضل لتوحيد أوربا وسيادة القانون بها، ومئات المؤرخين المثقفين قدموه أيضا كغول استنزف دماء فرنسا وخرب أوربا ونهبها ليشبع نهمه للسلطة والحرب؟ "

من منا يستطيع الزعم بالإحاطة بكل أبعاد نابليون في ظل هذا السؤال الآنف ذكره رغم أن ٢٠٠،٠٠٠ كتاب ونشرة قد صدرت عنه. "فالثورة الفرنسية" كما يقول نيتشه: " جعلت نابليون ممكنا بمعنى أنها جعلت من الممكن ظهور نابليون فهو تسويغ أو تبرير لها" ..

وقد استغرق نابليون في التأمل وهو واقف أمام قبر روسو وتمتم قائلا: "ربما كانت الأمور على نحو أفضل لو لم يولد كلانا أبداً".

ولد نابليون في أجاسيو Ajaccio في ١٥ أغسطس سنة ١٧٦٩، قبل أن تبيع جنوا Genoa كورسيكا لفرنسا بخمسة عشر شهرا، وقبل أن تؤكد فرنسا تبعيتها (كورسيكا) لها بإخماد ثورة باولي Paoli . ولمثل هذه الأمور التافهة يلتفت التاريخ. ولقد كتب نابليون بعد بعشرين عاما لباولى قائلا: " لقد ولدت عندما كان وطني يموت. ثلاثون ألف فرنسي يتقيئون على شواطئنا، يغرقون تاج الحرية في بحر من الدم. لقد كان هذا منظراً كريها أزعج عيني في مرحلة الطفولة".

وذكر ليفي Livy أن: "كورسيكا جزيرة وعرة جبلية معظمها غير مأهول بالسكان. وأهلها يشبهون طبيعة بلادهم فهم متمردون كالوحوش لا يحكمون" لكن احتكاكها بإيطاليا قد هذب نوعاً ما من هذه الوحشية، ولكن جدب الأرض والحياة القاسية، البدائية غالبا والعداوات الأسرية الشديدة والدفاع الضاري ضد الغزاة، كل ذلك جعل أهل كورسيكا على أيام باولي صالحين لحرب العصابات أكثر من صلاحيتهم للتنازلات التي يتحتم على ذوي الطباع العنيفة أن يقوموا بها للخضوع للنظام وهو أمر مطلوب لتشكيل الحضارة. لقد كانت الحياة المدنية تتطور في عاصمة كورسيكا، لكن خلال معظم الفترة التي كانت