سار اصطباغ الأدب بالصبغة الدنيوية مع نشأة اللغات القومية جنباً إلى جنب. ويمكن القول بوجه عام إن رجال الدين وحدهم هم الذين كانوا يفهمون اللغة اللاتينية قبل القرن الثاني عشر، وإن الكتّاب الذين كانوا يريدون أن يتصلوا بغير رجال الدين كانوا مضطرين إلى الكتابة باللغات القومية؛ وكان جمهور القرّاء يزداد اتساعاً كلما زاد النظام الاجتماعي نماء، وأخذت الآداب القومية ترتقي تدريجاً لتسد مطالب هذا الجمهور. وكانت نتيجة هذا أن نشأ الأدب الفرنسي في القرن الحادي عشر، والأدب الألماني في القرن الثاني عشر، والإنجليزي والأسباني والإيطالي في القرن الثالث عشر.
وكان من الطبيعي أن تصبح الصورة الأولى لهذا الأدب القومي هي الأغنية الشعبية، ثم طالت الأغنية فأضحت هي القصيدة الغنائية، ثم كبرت القصيدة الغنائية بما أدخل عليها من تطور وتضخم فصارت هي الملحمة الصغرى كملحمة بيولف Beowulf، وأغنية رولان Chanson de Roland ونيبلنجنلايد Nibelungenlied والسيد Cid. وأكبر الظن أن أغنية رولان ضمت بعضها إلى بعض حوالي عام ١١٣٠ من أغان كانت شائعة في القرن التاسع أو القرن العاشر. وهي تروى في أربعة آلاف بيت من الشعر السهل المنسجم العمبقي الوزن قصة موت رولان في رنسسفال Roncessvales. وتفصيل ذلك أن شارلمان بعد أن "فتح" بلاد الأندلس الإسلامية كان عائداً بجيشه نحو فرنسا، فما كان من جانيلون Ganelon الخائن إلا أن دل العدو على طريق الجيش، وتطوع رولان لقيادة المؤخرة لينجيها من مأزق خطر. وبينا هو سائر في أخدود ضيق