وكان احتفاظ المسيحيين بمدائن صور أنطاكية، وطرابلس مما ترك قلوبهم إثارة من الأمل. وكانت الأساطيل الإيطالية لا تزال تسيطر على مياه البحر المتوسط، متأهبة لنقل المحاربين الصليبيين إذا أدوا لها أجورها. وعاد وليم كبير أساقفة صور إلى أوربا، وأخذ يروي في الاجتماعات التي تعقد في إيطاليا، وفرنسا وألمانيا قصة سقوط بيت المقدس، ولما قدم إلى ألمانيا تأثر بدعوته فردريك بربروسه إلى حد دفع الإمبراطور العظيم وهو في سن السادسة والسبعين إلى الزحف بجيشه من فوره (١١٨٩)، وحياه العالم المسيحي كله وخلع عليه اسم موسى الثاني الذي سيشق الطريق إلى الأرض الموعودة. ولما عبر الجيش الجديد مضيق الهلسبنت عند غاليبولي، واتخذ إلى أرض فلسطين طريقاً جديداً، كرر أخطاء الحملة الصليبية الأولى ومآسيها؛ واقتفت أثره العصابات التركية وأزعجته، وقطعت عنه المؤن، فمات مئات من رجاله جوعاً، ومات فردريك ميتة غير شريفة إذ غرق في نهر سالف الصغير في قليقية (١١٩٠)، ولم ينج من جيشه إلا جزء قليل انضم إلى حصار عكا.
وكان رتشرد الأول (الأنكتار) الملقب "قلب الأسد" قد توج من زمن قريب ملكاً على إنجلترا وهو في الحادية والثلاثين من عمره، فصمم هذا الملك على أن يجرب حظه مع المسلمين. وإذ كان يخشى أن يغير الفرنسيون في أثناء غيابه على الأملاك الإنجليزية في فرنسا، فقد أصر على أن يصحبه فليب أغسطس، ووافق الملك الفرنسي، وكان وقتئذ شابا في الحادية والعشرين