للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهند والصين حول قارة إفريقية، وتتجنب العراقيل التي توضع في طريقها في بلاد الشرق الأدنى والأوسط؛ وحتى الألمان أخذوا يسيرون سفنهم من مصاب نهر الرين بدل أن ينقلوا متاجرهم فوق جبال الألب في إيطاليا.

وأخذت الأقطار التي ظلت قرناً من الزمان تبتاع منسوجات إيطاليا الصوفية تنسج هي أصوافها، كما أخذت الأمم التي تؤدي أرباح الأموال إلى المصارف الإيطالية تنمي هي مواردها المالية، وأضحت الزكاة، والمرتبات الأولى للمناصب الكنسية التي من حق الكنيسة، وبنسات بطرس (١) وأثمان صكوك الغفران، ونقود الحجاج، أصبحت هذه أهم ما تؤديه إلى إيطاليا البلدان الأوربية الواقعة وراء الألب، ولم يمض إلا قليل من الوقت حتى حول ثلث أوربا مجرى هذا المال. ولهذا حدث في ذلك الجيل الذي رفعت فيه الثروة المختزنة في إيطاليا مدنها إلى ذروة مجدها وعلا فيها شأن فنونها، نقول إنه في هذا الجيل نفسه قضى فيه على مركز إيطاليا الاقتصادي.

وختم في ذلك الوقت عينه على مصيرها السياسي، فبينما كانت هي منقسمة إلى نظم اقتصادية متعادية ودول سياسية متحاربة، كان تطور الاقتصاد القومي في غيرها من المجتمعات الأوربية برغم هذه المجتمعات على الانتقال من عهد الإمارات الإقطاعية إلى عهد الدول الملكية، ويقدم المال اللازم لهذا الانتقال. ففي ذلك الوقت توحدت فرنسا تحت حكم لويس الحادي عشر، وأخضعت باروناتها فجعلتهم حاشية للملوك، وجعلت من سكان مدنها رجالا عامرة قلوبهم بالروح الوطنية. واتحدت أسبانيا بزواج فرديناند صاحب أرغونة في إزبلا ملكة قشتالة، وفتحت غرناطة، ومكنت بدماء أهلها وحدتها الدينية. كذلك توحدت إنجلترا تحت حكم هنري السابع،


(١) ضريبة قديمة مقدارها بنس كان يؤديها كل صاحب بيت في إنجلترا إلى الكرسي البابوي ثم أصبحت بعد عام ١٨٦٠ ضريبة اختيارية يؤديها أتباع المذهب الكاثوليكي الروماني إلى هذا الكرسي. (المترجم)